.

في المكتبات جديد الشاعر حسين القاصد"القصيدة الإعلامية في الشعر العراقي الحديث" و النقد الثقافي ريادة وتنظير وتطبيق- العراق رائدا

.....

للحصول على اصدارات حسين القاصد ...جميع اصداراته في مكتبة الحنش  و  مكتبة  القاموسي في مكتبة المتنبي

السبت، 30 يناير 2010

لا تأمن الاوراق






حين استفاق ولم يجده أوجدهْ

حلماً فحنط مقلتيه لينجدهْ

دهس البداية
فارتمت أيامه في سلة الكلمات
تنزف موعدهْ

مذ فصل التاريخ
صاغ قلادة الإيقاظ
وابتكر العبارة مولدهْ


مَنْ عاد في الفصل الأخير لمسرحي

حتى يتوج بالستارة مشهدهْ


فتهافت الجمهور
يطلب فرصةً أخرى
ومعنىً آخراً كي يفقدهْ

الكل غادر نصه
حتى أنا ... أطعمت تذكرتي لنار المصيدهْ

في رحلةٍ للخوفِ
هرّب جملةً أخرى
ووفر صوته للمفردهْ

وأعار رائحة القصيدة نفحة الإيماء
فارتشفت أساه الأفئدهْ

فبكت تلال الماء قرب نشيده
قطراته وهي الهواء مقيدهْ
حين استعار الحب
كان لقلبه /بيتا /
فقام بهدمهِ إذ شيده

ورمى أراجيح الطفولةِ
لم يعدْ طفلاً
لذلك أرجحته الأوردهْ

فمه يداه
ولم أكنْ في غفوةٍ
إذ قلت عن أذنيَّ قد سمعت يدهْ

تمتدُ،
تنطقُ،
تستشير
وربما غنت
ألم تجد الأصابع منشدهْ؟

ما زال في اللا وعي يبني منزلاً

كي لا تظل الأمنيات مشردهْ

والجرح ملَّ الانزياح وطالما

خدش المساء بطعنةٍ ذبحت غدهْ

وقفت على شباك حزنك
حيرةُ المغزى
وجاءتك الحكايا موفدهْ

لا تأمن الأوراق
واعلم أنها أنثى تبيع فؤادها كي تسعدهْ

الناس والكلمات أحدثُ لعبةٍ

للوقت كي تبقى المدامع سيدة


حسين القاصد

28 / 1 /2010

الثلاثاء، 19 يناير 2010

الشاعر حسين القاصد ينال الماجستير ويرجع اكتشاف الشعر الحر الى العصر العباسي

الشاعر حسين القاصد ينال الماجستير ويرجع اكتشاف الشعر الحر الى العصر العباسي
نقلا عن صحيفة العدالة
سناء البشير
في اروقة جامعة بغداد وعلى قاعة اللغة العربية جرت مناقشة رسالة الماجستير للشاعر حسين القاصد على رسالته الموسومة ابن شبل البغدادي \ دراسة موضوعية فنية وباشراف الدكتور محمد حسين الاعرجي وكانت لجنة المناقشة تضم كلا من الدكتور سحاب محمد الاسدي رئيسا والدكتورة نصيرة الشمري عضوا والدكتورة ناهضة ستار عضوا وبحضورالدكتور فليح الركابي رئيس قسم اللغة العربية . وجمع من الشعراء والمثقفين والطلاب .
وابتدات المناقشة بالدكتورة نصيرة التي امتدحت حماسة الباحث وتخليه عن شعريته قليلا وهو كما قالت شاعر يحسب له الحساب واستطاع ان يقدم بحثا مميزا وبغياب مشرفه والاكتفاء بمساعدته القليلة والمتاخرة وذلك للظروف الصحية التي يمر بها الدكتور الاعرجي واعتبرت الشمري هذا الامر شيئا كبيرا على طالب الماجستير . الدكتورة ناهضة ستار بدورها شكرت قسم اللغة العربية في جامعة بغداد لاستضافتها وثمنت بدورها محاولة الشاعر رفع الحيف عن بعض الاسماء الشعرية ومالحقها من ظلم وجاء بها من الهامش الى المتن لا في ضوء مايراد لنا ان نقراه فيها. واشادت باجادة الباحث لطريقته في التعامل مع شخصية الشاعر واتخاذه موقفا واضحا جدا وكشفت عن مفاجأة المناقشة كون الباحث الطالب والشاعر حسين القاصد اكتشف ان ابن الشبل البغدادي هو أول من كتب الشعر الحر بصورته الناضجة وعزز ذلك بأدلة شعرية من قصائد ابن الشبل وبهذا يكون القاصد قد حقق سبقا عربيا في هذا الامر حسم فيه الصراع حول من اول من كتب الشعر الحر / التفعيلة / وقد وعد القاصد بأن يتوسع الامر في هذا بكتاب يخصصه لهذا الغرض .وبدوره ايضا ركز الكتور سحاب الاسدي على نقاط مهمة في البحث منها جوانب البحث الشعرية لدى ابن شبل وبطريقة لم يتطرق لها احد من قبل . واستمرت المناقشة لاربع ساعات ليتم بعدها الاعلان عن منح الشاعر حسين القاصد شهادة الماجستير .من الملفت للنظر كان كلمة الدكتور حسين الاعرجي والتي القاها بالنيابة عنه الدكتور سحاب الاسدي والتي شدت جميع الحضور وجاء بها ماياتي:
وما يمدح العروس _ في العادة الا أمها ، والماشطة .
فأما مديح أمها فمفهوم ، وأما مديح الماشطة ، واعجابها فلكي يزيد أجرها على مازينت ، وبهرجت.
وانا اليوم أمام العروس ـ الرسالة الاثنان معا ، فأنا الذي أشرف عليها فحق لي أن أسمى أباً شرعيا اخجل ـ لاسمح الله ـ من سوء تربيتها ، وأسعد بحسنها ، وانا الذي زين للباحث ان يقدم هذا ، وان يؤخر ذلك ، وان يعتدل في رأيه هنا ، وأن يشتد هناك . وأشهد انه كان في كل ذلك كما قال الزبير عبد المطلب :

اذا كنتَ في حاجة مرسلا فأرسل حكيما ولا توصه
وإن رأسُ أمرٍ عليك التوى فشاور نصيحا ولا تعصه

واذاً انا مسؤول مسؤولية تامة عن كل ماورد في هذا العمل ، وهذه هي الأكاديمية وحسبي منها ان رسائل الطب ،أو الكيمياء ،أو الفيزياء أو ما اليها يكتب على غلافها حين تنشر انها من عمل المشرف والطالب معا .
واريد ان اعبر عن سعادتي انني اشرفت على انجاز هذا الجهد الممتاز ، وهو ممتاز عندي من وجوه هي :
انه درس شاعرا لاتكاد تمر به الدراسات الادبية على الرغم من اهميته في عصره شاعرا وطبيبا وفيلسوفا ، وقلت : لاتكاد تمر به الدراسات ، لأنني اريد ان استثني استاذي المغفور له الدكتور علي جواد الطاهر في اطروحته ،ولكن شغله ابن الحجاج والطغرائي المفروضان عليه عنه، وعن دراسته . على انه بفضل الطاهر رحت اتتبعه ،واعنى به .
وانه كان قادرا على دراسته ،وعلى فهم شعره ، ونقده .
وانه اضاف الى ما يطلب من الطالب شهادة الماجستير حسن اداء ، وقدرة على البحث ، والتبويب اضاف فضلا آخر هو استنباطاته الخاصة به ، وهي واضحة لكل من يقرأ الرسالة .
وانه استطاع ان يوازن بين فصول رسالته موازنة كادت تكون تامة، ولم تكن هذه الموازنة شكلية ولن تكون ، وانما هي دليل ناصع على قدرة الباحث انه متمكن من موضوعه، مسيطر عليه ، لايندّ منه شيء بين يديه .
وعليه أنا راض ٍ عما انجز الباحث ومسؤول وحدي عما يمكن ان يؤاخذه عليه الاساتذة المناقشون الأجلاء من قبيل انني اشرت عليه ان يلخص ما اجهد فيه المرحوم الدكتور الطاهر نفسه من دراسة جوانب العصر السلجوقي .
وتقول لي : لم اتعب المرحوم الطاهر نفسه واستراح القاصد من حيث تعب الكرام ؟ واقول انه كريم مثلهم ، ولكن الدكتور الطاهر من الرّادة ، والقاصد من التابعين ، فما معنى اكتشاف البارود مرتين ؟
ولقد يؤخذ عليه توحيد قائمة المصادر كتبا ومجلات وما اليهما ، واعيد انني انا المسؤول عن ذلك ، والمشير به ، لأن القاريء حين يقرأ هذا الهامش او ذاك ، ويرى فيهما الأحالة قد يدفعه فضوله العلمي ان يعرف المصدر بتفاصيله ، فهل يكون عليه - وهو يجهل المصدر اساسا – ان يعلم ان كان كتابا او مجلة او جريدة او رسالة جامعية او ما الى ذلك ؟
اما الملاحظات الجزئية التي يمكن ان تؤخذ على الرسالة فهي من قبيل ما قاله العماد الاصبهاني : ما كتبت كتابا ونظرت فيه الاقلت : لو وضعت ذا مكان ذا ، ولو أبدلت ذا بذا ... وهذا دليل عل ماجبل عليه البشر من نقص ، والكمال لله وحده .
بقي ان اقول : انني كنت أود أن احاور زملائي الاجلاء طمعا في الفائدة ، وفي تلاقح الرأي ولكن حال الجريض دون القريض ، وعزائي قول ابن بسام :

قلت: ما بالنا جفينا وكنا قبل ذاك الاسماع والأبصارا ؟
قال: إني كما عهدتَ ،ولكن شغلَ الحليُ اهلـَه أن يُعارا

شكراً غير ممنون للزملاء الاجلاء ، ومثله للحاضرين الكرام ، وتهنئة سابقة للباحث ، وارجو أن تكون في محلها ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


محمد حسين الاعرجي
بغداد :16\1\2010

الخميس، 14 يناير 2010

حسين سرمك حسن – دمشق













حسين القاصد في مجموعته الجديدة :
"قاصد" النهرين ،والطهر "مقصده"


بعد مجموعتيه اللذين أحدثا صدى كبيرا في الوسط الثقافي العراقي وقت صدورهما وبعده وهما "حديقة الأجوبة” الذي صدر عن اتحاد الأدباء والكتاب العرب عام 2004 ، وكتب مقدمته شيخنا الدكتور "عناد غزوان” ، و "أهزوجة الليمون” ، الذي صدر في بغداد عام 2006 ، صدرت المجموعة الشعرية الثالثة للشاعر المبدع " حسين القاصد ” وعنوانها : "تفاحة في يدي الثالثة” وهي كما متوقع في العراق تفاحة الفاجعات والخسارات الجسيمة .. تفاحة هذا الحزن العراقي المتطاول والخانق الذي يجعلنا تؤكد وبثقة أن الله عندما خلق الإنسان في أرض الرافدين كان يبكي . يرشح هذا الحزن شديدا وغامرا من القطعة التي افتتح بها القاصد مجموعته وهي "قفْ" المربكة بين الشد الصادم لانتباهة المتلقي وهو – أي المتلقي – يقف عند عتبة المجموعة ، والتحدي الجريح لعجلة الزمان الهادرة التي تطحن وجودنا بلا رحمة : ( قف أيها الوقت /لا تعبر على وجعي /لديّ جرح لذيذٌ هل يجيء معي ؟ /لديّ من نخلتي /طفلٌ يهزّ بها جوعا /وقد طاحت الدنيا ولم تقعِ /قف أيها الوقت /أني صرت مقتنعا /بأنني سوف أبقى غير مقتنعِ – ص 7 ) . وفي هذه القطعة سنمسك بسمة أسلوبية حاكمة في النص الشعري للقاصد وتتمثل في هذه المسحة التفاؤلية الجريحة إذا ساغ التعبير . فوسط دوامات الحزن والخيبة والخسارات الباهضة لا يرفع حسين راية التسليم البيضاء المنكسرة التي تعلن التسليم السلبي المميت . هي في الحقيقة خلطة نفسية وشعرية عجيبة من أطروحة اليأس وطباق الأمل – حسب قواعد الجدل الهيغلي إذا جازت استعارته – لينتج " تركيب " هو ما يمكن وصفه بـ "الوجه الثالث للعملة" .. وجه يعبر عنه القاصد بقدرة فذّة في القصيدة الأولى من المجموعة : "أبدا معي" والتي تلت قطعة "قف" الافتتاحية :(أبدا معي العدّ من صفر إلى أدنى /تصاعديا لكي لا تفسد المعنى /واصعد إلى قمة اللاشيء عندئذ /سألتقيك وحيدا جرحه غنّى /واظب على الحزن لا حلٌّ يطمئننا /على الأنين إذا لم نتقن الحزنا – ص 8 ) . والشاعر – في الواقع – يصوغ المعادلة الوجودية لحياة الإنسان العراقي منذ فجر خليقته . إنسان يعيش حالة طواريء أزلية لا وقت حتى للغور في مسبباتها الفاعلة حتى صارت كأنها قدر ميتافيزيقي لا خلاص أمامه إلا في أن يعيش جحيمه ويتقلب على ألسنة لهبه ويقاومه إلى الحد الذي صارت الروح المازوخية التي طبعت هذه القصيدة لذيذة وباذخة رغم موجات الإنكسار المتناوبة التي تتضمنها :(ماذا عن الخيل هل أسرجت ذلتها /وكيف أقنعتها بالخوف كي تهنا /وكيف بالصبح هل مزّقت قطنته /إذن سيثأر ممن مزّق القطنا /وها وصلنا فهذا خنجر قلق /وذاك ظهر نبي يحسن الطعنا /كيف اخترقنا مسافات مهمّشة /بصمتنا كيف ننجو الآن من ... منّا –

ص 8و9 ) . ودوّامة ما يمكن أن نسمّيه "دائرة الضمير المغلقة" – وهذا يتطلب وقفة خاصة – التي فيها يبدأ سؤال المحنة الفردية من "أنا" الشاعر ليعود إليها ، وتنفتح ابواب الجحيم من مركز دائرة "الأنا" الجمعي لينطلق الشاعر بها على محيط ، قد تطول مسافته أو تقصر ، ليرتد بها إلى نقطة البداية فيغلق منافذ المحنة الخانقة كما فعل في البيت الختامي من هذه القصيدة ( ننجو الآن من ... منّا ) . يتكرر هذا الموقف الشائك والمعبر كثيرا في شعر القاصد ، ويصل أقصى حالات توظيفه الخلّاق ممتزجا بالسمة الأولى : (مركّب التفاؤلية الجريحة) في القصيدة الثانية (مازلت على قيد العراق) والتي صار عنوانها متداولا في الخطاب التواصلي بين عدد كبير من المثقفين العراقيين عبر رسائلهم الإلكترونية ، وهو دليل على أهمية الإبداع في تشكيل الخطاب اليومي للناس عموما . في هذه القصيدة يبدأ حسين قصيدته من ذاته ويختمها بها في تصاعد نرجسي عزوم حيث يستهلها بقوله : ( فمي غربة ، عمري متاع ،تجسّدي /ضياعيَ ، والإسم الثلاثي مولدي – ص 11 ) . ومن هنا يوغل في تصوير تمزقاته ذات الطرفين المتضادين دائما حتى لو لم يكن التناقض ثنائي الطرفين بصورة صارخة وهي سمة أسلوبية أخرى طاغية على المنجز الشعري للقاصد . فهو يخلق مزدوجات اغترابية كسبب موائم كامن لنتيجة استلابية صادمة ؛ فالفم غربة ، والتجسد ضياع ، ومياه مآل الذات نتاج تبلّد جمرتها هي بدمعها ذاتها .. وهكذا :(مآلي مياه من تبلّد جمرتي /بدمعي وها أمطرت ميلادي الندي /تأرجحتُ بين الليل والصبح بعد أن /نما موعدي المرتاب من ضلع موعدي /وُلِدتُ كثيرا لا الطفولة دغدغت /حياتي ولا عمري الذي فاض .. يبتدي – ص 11 ) . وهكذا عبر سلسلة من متضادات الخيبة ، المفرداتية والصورية ، هذه تتناسل شبكة هائلة من الصراعات الممزقة تمتد عبر ستة عشر بيتا من مجموع أبيات القصيدة البالغة أربعة وعشرين بيتا . فالشاعر الذي صار شعارا وصوتا لآمال أمته ، هو في الجانب المقابل – بل في الآن نفسه – حطام نهايات هذا المشهد ، وفي الوقت الذي كان فيه يمني نفسه بأحلام التسيّد والإنعتاق ، أصبح يخاف حتى من أوهام هذا التسيّد والإنعتاق اللذين هما مشروعين لا شائبة فيهما ، إلى أن تصل هذه النداءات الجريحة الذروة في البيتين الخامس عشر والسادس عشر : ( وعدت إلى رفع المفاعيل ربما /أنا الفاعل المنصوب في نحونا الردي /أنا جرح هذا النهر والجسر ( مرهمٌ ) /مريضٌ وفي ظهري شظايا لمنجدي – ص 13 ) . هكذا ترتسم صورة سوداء بالغة التعقيد يحاصر فيها الشاعر من كل جانب حتى أن ظهره يصبح هدفا لطعنات منقذيه المرائين !! حلقات مزدوجة من الأمل والخيبة ، والخلاص والعبودية ، الوحدة والتمزّق ، والإقبال والإدبار . وعند هذا الحد قد يتصور القارىء أننا قد وقعنا ، وإلى ختام القصيدة ، في مصيدة هذا الفخ الصراعي المفتوح . لكن الشاعر - وهذه كما قلت سمة أسلوبية في مجموعاته الشعرية الثلاث - ينتفض - حتى لو جاءت انتفاضته متأخرة - ليطلق شحناته النرجسية الجريحة بدءا من البيت السابع عشر متبركا برحم وعطايا المدينة الأم / بغداد العظيمة ، والجنوب المتجدد أبدا رغم الانهيارات : ( رسمت على بغداد ميسان حقبة /فسرنا جنوبا كلما انهار يبتدي – ص 13 ) . ويبدأ التوسع النرجسي يتنامى تدريجيا - في أغلبه كرد على الانجراحات
العميقة التي كلما ازدادت شدة كونت ضدّيا بصورة أشدّ - ليكتسب ملامح متّحدة مع طاقات نماذج اللاشعور الجمعي من ناحية وانسراب الذات - بفعل شحنات النزوع الإنبعاثي الغائرة وهي جنوبية أصلا - من ناحية أخرى : ( ولي الطينة الأولى ونخلي .. وآدمٌ /شقيقي ، وهذا الهور من نكهة الغدِ /إذا صحتُ يا ألله فالبحر صاحبي /وبرّي أمانٌ من عليٍّ وأحمدِ – ص 13 ) . وهذا الاتحاد والتماهي بنماذج اللاشعور الجمعي يفجّر الطاقات الفردية والانفعالات النرجسية ليمنحها طابعا أسطوريا حيث يصبح الشاعر ذا قدرة كلّية - omnipotence خارقة فهو رب نار الحرب والسلام ، وهو النخلة التي ستهزها مريم " ما " ، وهو مجبول من كوثر وفضّة صبح - ويا لها من خلطة رائعة - : (أنا ربّ نار الحرب والسلم طالما /أقول لصوتي منك بلواك فاعبدِ /أقول لنخلي لا تنم ربّ مريمٍ /يصيحُ بها صوت النجاة فتهتدي /إذن ها أنا من كوثرين وسمرةٍ /ومن فضةٍ صبح على محض أرمدِ – ص 14 ) . ونصل ذروة الذرى النرجسية التي تذكرك بالمتنبي أو الجواهري مثلا حين يدخلان ساحة القصيدة بنفسيهما بلا تردّد ، يفصح حسين عن حضوره الذاتي بجسارة فهو "القاصد" الذي "يقصد" النهرين ، لأن التطهّر "مقصده" ، وكل شيء يبدأ منه وينتهي به : ( ومازلت قيد النخل والماء واللظى /أنا قاصد النهرين والطهر مقصدي –ص 14 ) تبقى سمة مركزية حاسمة أخرى وتتمثل في الغرض الرثائي الذي يسيطر على المجموعات الثلاث ويشتد في الأخيرة بعد استشهاد شقيق الشاعر " حسن " على أيدي الأمريكن الخنازير الغزاة . وقد كنا نعتقد أن الرثاء قد وقف عند الخنساء وهي ترثي أخاها صخر ولكن القاصد يقدم لنا في ديوانه هذا خمس قصائد في رثاء أخيه الشهيد ” حسن ” الذي بموته تهدمت ثلاثة أرباع اسمه وعمره كما يقول .. هذه القصائد هي من عيون قصائد الرثاء في الشعر العربي المعاصر . وأي محاولة نقدية ستفسد غليان انفعالات الثكل ، ولذا سوف أترك حسين يناجي حسن في جانب من قصيدة ” ما تيسر من دموع الروح" :

إي يا حسنْ ..كبر العراق فيتم الأزهار إني صرت ابحث عن مروءة دمعة أو قشة من
بعض ذكرى اقتفيها , اجلد المرآة إني لا أرانيفانا أراك مطوقا بي صورةًهل تكذب المرآة كيف أرانيالآن تؤلمني كثيرا ما الذي تشكوه من وجع ٍ فرأسك صار يؤذيني .. شظايا
وجهك المنقوش بالأحزان .. ترميني اليّ أنا لست أقوى أن أكون (أنا وأنت) لأنني أنا لستُ أنت ..دبابة مرت .. ركضتُ الى المرايا سوف اجرح وجهها علـّي أراك .. أرجوك لا تحزن ..دموعك بللت وجه الزجاج فلم تعد تقوى المرايا كي تلمك من زواياهاحسـ …………………نْ دبابة ٌ أخرى أتت من يكسر المرآة في وجهي لتخرج من دمي أهزوجة ً مجروحة ً(ثارك ما ننساه اسمع حسّوني ) 1
ممن سأثأر من تراه الجانيوأنا وحزني الآن مختلفان
الإحتلالات القديمة والجديدة كلها تعنيك ..لكنّ الرصاص الجار يملأ غرفة الأطفال يوقظ طفلك (السجاد) مرعوبامن الجيران ِ ..وأنا وحزني الآن متفقانأن احتراقك في دمي أغناني ..عني …. عن المرآةعن وجع التصاوير التيتغفو على الجدران ِتشكو الإطار فكيف أنت محدد بمساحة التذكار , قد أشكوك
قربك فابتعد عني كثيرا واحتمل هذياني ..عيناك رأس السطر والوعي المحنط دفتر الذكرى سأقرأ بسم جرحك
هيبة المعنى أرتلُ ما تيسر من دموع الروح في سفِر المرايا علني ألقاكأو تلقاني/سأحب وجهي
1 أهزوجة هزج بها أبي في تشيع أخي حسن وهي باللهجة العراقية



الأربعاء، 13 يناير 2010

الرثاء في الشعر العراقي المعاصر : قصيدة (سادن الماء) للشاعر حسين القاصد



الرثاء في الشعر العراقي المعاصر : قصيدة (سادن الماء) للشاعر حسين القاصد



رابط قصيدة سادن الماء الى الامام العباس ( ع )

«إيه أبانا (نانا)
إنّ تلك المدينة قد حوّلت إلى رميم
وملأ شعبها، وليس كسر الفخّار، كل محلاتها
وتصدعت جدرانها والناس يئنون
في أبوابها العالية، التي كانوا فيها يتنـزهون
رميت جثث الموتى
وفي شوارعها المشجرة، حيث كانت تُنصب الولائم
استلقوا متناثرين
وفي كل طرقاتها التي كانوا فيها يتنـزهون
سجت جثث الموتى
وفي ميادينها حيث كانت تقام الاحتفالات
استلقى البشر بالأكوام
(أور) التي أكل الجوع أقوياءها وضعفاءها
وكوت النيران الآباء والأمهات الذين لم يبرحوا منازلهم
والأطفال المضطجعون في أحضان أمهاتهم
كالأسماك حملتهم المياه بعيداً
وفي المدينة هجرت الزوجة وهجُر الابن
وانتثرت الممتلكات في كلّ جانب
أوّاه يا (نانا)
لقد دُمّرت (أور)
وشرّد أهلها..»

هذه قصيدة ترثي (أور) المدينة العراقية العظيمة التي أحرقها العيلاميون بعد أن وصلوا أسوارها التي بناها (أور - نمو) عالية (كعلو الجبل المضيء) وبعد انقضاء عدة سنين، عندما أصبحت (أور) مدينة مزدهرة مرّة أخرى كانت فاجعة دمارها تُذكر بالأسى وترثى بألم من قبل السومريين الذين اعتبروا خرابها كارثة وطنية.
.. وهكذا يمتد على أرض الرافدين، ومنذ فجر التاريخ نشيجٌ دامٍ متواصل، وحبل أسىً ودموع، ورثاء غليظ يصل قلوب ووجدان الأبناء الممزقة في عام 2007 بأرواح الأجداد المثكولة التي كتبت بمداد انسحاقها هذه القصيدة قبل (4000سنة) في لونيها المفضلّين هما: الأحمر والأسود، وليس على طريقة (ستندال) في روايته الشهيرة بطبيعة الحال. بلاد كانت الآلهة فيها تبكي مشفقة، وهي تخلق الإنسان الأول فيها وتتساءل: في أي أرض سألقيك؟ وأيّ عذاب ستتحمل؟ وفي أيّ جحيم ستصطلي؟ .ولـيس غريبـاً أنّ شـعراء العـراق المقتدرين قد حملوا الراية، راية الرثاء، وصانوا الأمانة بمثابرة وحماسة، ماداموا يقفون محطّمي النفوس ومحبطين وهم يرسلون النظرة نفسها التي نظر فيها الشاعر السومري القديم إلى مدينته (أور) وهو يسطر بدموعه مرثيته الشهيرة تلك.
ومن بين الشعراء العراقيين الذين حملوا راية الرثاء، وصانوا أمانة الخراب الشاعر «حسين القاصد» في قصائد كثيرة ضمّتها مجموعتاه الشعريتان (حديقة الأجوبة وأهزوجة الليمون). وفي قصائده الأخيرة المفردة وهي كثيرة، لأن «القاصد» من أكثر مجايليه غزارة وغنىً ورصانة امتلاءً، سأتوقف هنا عند آخر قصائده - وهي ليست الأخيرة قطعاً - وهي قصيدة (سادن الماء) والتي أهداها إلى الإمام العبّاس (عليه السلام). وبين العنوان والإهداء يؤسّس «القاصد» مفارقة محكمة وذكية حيث نتذكـر - تاريخياً - أن محاولات الإمام في جلب الماء إلى عطاش الطف قد أجهضت كلّها، ولكنه يبقى - واقعاً خلودياً ووفق رؤية الشاعر الكونية - سادن الماء.. ماء الموقف الاعتباري والوفاء الاستشهادي اللذان جعلاه يرسخ في ذاكرتنا الجمعية كأنموذج متفرّد لخذلان لم تشهد مثله مراثي أرض سومر كلّها وهي الأكثر كماً في تاريخ العالم.. خذلان الماء.. وانخذال «الفرات» في لحظات حاسمات مدوّيات جعل دوّيها الرهيب الشهيد عطشاً يذكر كسادن لماء الآمال المحبطة ويباس الضمائر الميتة كلّما ذكر الماء والعطش:
«بدأتْ وكان الموت ُ الفك
ومضتْ وظلّ الموت خلفك
ونزفت ..
ثم نزفت
ثم نزفت
ثم
... فكنت نزفك
ويبدو من خلال المتابعة التحليلية لقصائد «القاصد» - لاحظ الجناس النسبي بين القصائد و«القاصد» - التي كتبها في الرثاء ومنها هذه القصيدة؛ إنها محكومة بنـزوع ملتهب لتحقيق الديمومة وإطفاء نيران قلق الموت.. وهو نزوع متأصل الجذور في تربة الروح العراقية حيث كانت أول محاولة - ليس على ضفة الأرض حسب بل في تاريخ البشرية كلّها - لجعل الموت خلف ظهر وعي الإنسان هو السعي البائس والجسور في الوقت نفسه الذي قام به التعرّضي العظيم «جلجامش» الذي زرع بذرة التمرّد على حكم الآلهة التي حكمت لنفسها بالخلود، وعلى الإنسان بالفناء، كما قالت (سيدوري - الشباب الدائم) صاحبة الحانة لجلجامش لتثنيه عن عزمه. هذا العزم الذي سمّم أرواح أبناء الرافدين فباتوا يُسقطون نزوعهم المدّمر هذا على نماذجهم الخلودية: يكفيك أن حملوا السيوف ليقتلوك فكنت سيفك
هل كنت نزفك؟
كنت سيفك؟
كنت أنت؟
وكنت وصفك
وليس اعتباطياً أن يزاوج «القاصد»بين الماء والدم والجرف والنـزف مادمنا قد قرّرنا أن الأعماق البعيدة.. البعيدة جداً.. والغائرة في تربة اللاشعور الجمعي تماهي بين الماء والدم الذي خلق منه الإنسان العراقي الأول - راجع أسطورة الخليقة البابلية التي تقرر أن العراقي خلق من طين ودم ، أمّا أسطورة الخليقة السومرية فستفجؤك بأمر أكثر إدهاشاً وإثارة للصدمة حين تشير إلى أن العراقي الأول - آدم الأسطوري - قد خلق من دم فقط!!-
«النهر جرفك وهو كفك..
كيف كفّك صار جرفك
ومدّدت طولك بانسكاب..
كنت تعلم كيف تُّسفك
هل كنت تسفك؟
كيف تسفك؟
كنت تسقي الأرض نصفك
ويهمني هنا أن ألفت نظر القارئ إلى ظاهرة في غاية الحساسية وهو أنّ الشاعر قد استخدم (40) أربعين مفردة تنطوي على حرف (الفاء) في قصيدة تتكون من (19) تسعة عشر بيتاً فقط. وقد جاء استخدام هذا الحرف وفق «حتم لاشعوري» لكن ليس على طريقة البنيويين القسرّية.- وهؤلاء يدينون لـ "دى سوسير" بقوانينهم.. ولكنني أتساءل عرضياً كيف يجوز «لسوسير» أن يضع ثلاثة قوانين للّغة وهو يعتبر العلامة اللغوية علامة اعتباطية؟ هل يجوز وضع قانون لشيء اعتباطي( راجع كتاب العلامة العراقي الراحل ( عالم سبيط) : ( الحل القصدي للغة )؟ وحرف الفاء في معانيه وإيحاءاته النفسيّة يعني اللفظ ، لفظ الشيء أو طرحه ، والتأفف والزفير.. والنـزف الذي هو شقيق العطش.. لقد طفحت في القصيدة مفردات تفحّ بحرقة - والفحيح فيه «فاء» من جديد
- مثل: النـزف.. السفك.. الحتف.. الطواف.. السيوف.. التفخيخ.. النفس..إلخ..
«ليظلّ نصفك للفرات
فما يزال يعيش طفّك
إيْ ما يزال..
وذاك أنت مفخّخاً
تجتاح حتفك
وتفتش الشهداء عن نفسٍ ظميّ ودّ رشفك»
وأنت تلاحظ - أيها القارئ - أنّ حرف «الفاء» يتكرّر هنا ثماني مرّات في ثلاثة أبيات فقط.. إنّ الحتم اللاشعوري الذي نتحدث عنه هو «إطار - Context» يصوغه الاحتدام الفائق بالموضوعة التي تشعل لحظة التجلّي والانفعال الصوفي بالمشهد.. المشهد المثير والمحفّز.. ولكن هذا الحتم خلاّق وباهر في خياراته.. لاحظ أنّ الإنسان كلّما تكلّم يطرح أشياء تفوق ما يعرفه.. فمن أين يأتي هذا الفارق؟..
يأتي من اللاّشعور الذي يوفّر التربة لتكاثر اللّغة ومعانيها.. لاحظ أيضاً أن شرح بيت الشعر يكون دائماً أطول من البيت نفسه.. مثلما يكون تفسير الحلم أطول من الحلم نفسه.. لكن حلم «القاصد» في قصيدته هذه متطاول وفي غاية الضراوة الواقعية في حين أن الحلم يوصف بأنه جنون وجيز.. وإلاّ كيف سيحمل الشهيد - سادن الماء، يديه بلا يدين ؟ :
«احمل يديك ..
لأنّ صدق دموعنا يحتاج عطفك
احمل يديك بلا يدين
وأطعم الأرواح لهفك
نهران يفترقان عن سفح
أكان الماء كتفك؟
ولكن هذا ما حصل فعلياً في تفصيلات الموت الواقعي المنقول عن الشهيد - سادن الماء - الذي لم يرتشف من الماء شيئاً.. وإذا عدنا إلى الحتم اللغوي اللاشعوري الخلاّق فإن مقابلة حازمة بين معاني الكفّ - وراجع لسان العرب لابن منظور - ستريك التضاد الموجع الذي تخلقه الإيحاءات التي تتعايش بخلاف آسر في أحشاء المفردة الواحدة.. فالكف - وشهيدنا المهدى إليه قطيع الكفين وممزق الجسد والروح - التي أخرها «حسين القاصد » بوعي لمسافة أربعة أبيات - بقصيدته واضحة، هي التي تروي وتكفّ في الوقت نفسه.. ولاحظ المقابلة غير المباشرة بين : «النهر جرفك وهو كفك..» و«كفّاك قرآنان بسمل بالمياه لكي نلّفك..»: هنا تتمرأى على صفحة مياه الروح المزاوجة العميقة الباذخة بين معاني الموت ومعاني الحياة.. هذه المزاوجة تُشعل شعوراً مريراً بالذنب - وبالمناسبة فالعراقي ليس حيواناً ناطقاً أو اجتماعياً أو سياسياً والأخيرة لعلي الوردي مستثمرة من أرسطو بلا إعلان مباشر - لكنه أي العراقي «حيوان مذنب»..
«كفاك قرآنان
بسملْ بالمياه لكي نلفك
بدموعنا ونطوف سبعاً
ثم نطلب منك لطفك
وهذا الشعور الموجع بالذنب «يُصعّد» بشراسة ليخلق أروع الصور الشعرية «النظيفة» والماحقة في الوقت نفسه... فالأنموذج الذي قطعنا كفيّه - وجدانياً وتخيّلاً - يصبح مصدر تعزيز جمعي للنرجسيّة الموهومة ولكن الضرورية للبقاء «النفسي» ومداواة الجراح الباهظة والتكفير عن الآثام.. وينبغي أن نتذكّر أن كفّ الإمام القطيع المنتصّب فوق ذروة منارته هو - أصلاً - كفّ تموز - الإله دموزي - الذي لم تستطع شياطين «أيريشكيجال» إلهة العالم الأسفل - ويا للغرابة فهي شقيقة «عشتار» إلهة الخصب والجنس والنماء - أن تبتلعه مثلما عجزت كل المحاولات السياسية العنيفة للحكومات العراقية المتعاقبة عن اجتثاث ممارسة المراسم العاشورائية من روح الشعب العراقي.. أقول : إنّ كف الشهيد العطشى، شهيد الماء، الكاف والمكفوف، يمكن أن توسّع، لتصبح رؤيا كونية، على يــدي الشــاعر «القاصد» وهذه هي مهمة الشعر وهذا هو واجب الشاعر.. الشاعر الذي لا يستذكر ويوظّف ذكريات الطف لمنافع خلودية مهمة حسب ، بل يستثمر هذا الفعل الرمزي وهو ملتحم بواقع العراق المحطم العاصف الذي تعدّت شدائده الفاجعات كلّ طف وكل وصف:
«يا ربّ آلام الجنوبيين
حين الجوع ما انفك
يخشى من النذر
الذي جعل
الجنوب يظلّ ضيفك
كنّا إذا ما أينعت
أدغالهم نحتاج عصفك
ولأنّ قصيدة الرثاء هذه تتناول المآثر الملحمية لشهيد اختار الموت عطشاً، ولأنّ الشاعر يصوغ أبياتها وفق رؤيا مسبقة محكمة فقد تسيدت مفردة الماء وما يرتبط بها ويشتق منها من مفردات ومكوّنات ساحة القصيدة أيضاً «النهر.. الجرف، السقي، الفرات، الظمأ، الدموع.. الرشف..إلخ..».. وكنتيجة للرؤيا المحكمة نفسها فقد كانت مفردة: «الكف» من المفردات المركزية التي تعمل كحلقة وصل حاسمة في تركيز انتباهة القارئ وتعزيز وحدة القصيدة :
«النهر جرفك وهو كفك... البيت الخامس
احمل يديك.. البيت الحادي عشر
احمل يديك بلا يدين.. البيت الثاني عشر
كفاك قرآنان.. البيت الرابع عشر...»
ومؤسساً أداءه على ركائز رؤياه الحاكمة يختم القاصد قصيدته/ مرثيته بالكف التي هي رمز لشهادة وموقف:
«عذراً هي الكلمات
دارت حولها
لتبوس كفّك
وقد اختار الشاعر بذكاء ودراية وزناً عروضياً جارحاً يصلح لأن يجعل القصيدة أنموذجاً للنعي والغناء الموجع وقد لحناها وغنيناها - وكان الحداء بها يذكّر من يستمع بأداء مقتل الحسين بن علي - عليهما السلام الذي كنا نسمعه في عاشوراء. وتعزيزاً لوحدة القصيدة العضوية والنفسية ولإيقاعها الحركي فقد كانت هناك وقفتان تساؤليتان بصيغة المخاطب مرسومتان لغوياً وفنياً بحنكة:
1 - هل كنت نزفك؟
كنت سيفك؟
كنت أنت؟
وكنت وصفك (البيت الرابع).
2 - هل كنت تُسفك؟
كيف تسفك؟
كنت تسقي الأرض نصفك (البيت السابع)
ويبرع «حسين القاصد» في الكثير من قصائده في استخدام مفردات عامّية أو مفردات فصيحة يطوعها باستخدام عامي. في قصيدته «عندما يكذب الخبز»مثلا التي كرمنا باهدائها الينا بعد مغادرة بغداد المحروسة يقول:
«(الله بالخير) الجميلة هل ترددها هناك ومن بصوتك يطربُ
والآن عذراً يا (أغاتي) كلهم علموا بصدقك لا يطال فكذبوا
والأمثلة تطول لكن انظر إلى ما يقوله في البيت التاسع من هذه المرثية:
«(إيْ) ما يزال.. وذاك أنت مفخخاً تجتاح حتفك»
فصحيج أن " إي " هي حرف جواب بمعنى نعم لكنها أهملت في الاستخدام الشعري الفصيح وصارت تعد من اللغة العامية .. فجاء حسين القاصد ليضعها في موضعها الصحيح مستثمرا إيحاءات استخدامها العامي في مكان باهر ومحتدم ..




هم يعرفونك نارا



هم يعرفونك نارا



نم في عيوني فإن الارض تحترق
وحدي عرفتك اهلا كيف لاتثق
اهدافهم انت لكن من متاهتهم
تخاصموا فيك .. هل غالوك فاتفقوا
هم يعرفونك نارا، كنت ترشدهم
الى دخانك حتى صرت من شهقوا
فيانهاراتهم رغم انطفاءتهم
افرك سماعك وهماً ربما نطقوا
تنورهم انت فاحذر ربما خبزوا
أطماعهم في لظى عينيك فاحترقوا
الكل يسرق من عينيك غايته
مازلت وحدك يامسروق تنسرق
جدارهم انت تحميهم اذ اخترقوا
لكنهم من اغاني حبك اخترقوا
باعوا عيونك واحتاجوا اضاءتها
فغازلوها بكاءً ليتهم عشقوا
فيا أبانا الذي ضاقت عباءته
ولملمتنا على اشلائه خرق
وضاع فينا فماعدنا نلامسه
الاوينبض في احساسنا قلق
لملم خطاياك ابناءً فرب أبٍ
اطاع صبيته كذبا وإن صدقوا
ها انت تركض مسبوقا بطعنتهم
وسوف تعلو على طعنات من سبقوا
ماذا اذا اشتعلت انهارهم عطشا
وترجموا حزنهم للخوف وانصعقوا
فها انا لاشريك الان في المي
ولاسواي على اللاشيء يئتلق
اصطاد وجهي من عينيك ، اكتبني
كما تشاء فمني سوف تنبثق
انا كرامتك الاولى وهم وصلوا
الى قبابك من صوتي ومانطقوا

الجمعة، 1 يناير 2010