.

في المكتبات جديد الشاعر حسين القاصد"القصيدة الإعلامية في الشعر العراقي الحديث" و النقد الثقافي ريادة وتنظير وتطبيق- العراق رائدا

.....

للحصول على اصدارات حسين القاصد ...جميع اصداراته في مكتبة الحنش  و  مكتبة  القاموسي في مكتبة المتنبي

الأربعاء، 19 يناير 2011

حسين القاصد : شيء كبير من الوفاء / حسين سرمك حسن

حسين القاصد : شيء كبير من الوفاء



حسين سرمك حسن
17/01/2011


كان العزيز المبدع (حسين القاصد) أول من أرسل لي رسالة بالموبايل يخبرني فيها برحيل أستاذنا العلامة (محمد حسين الأعرجي) .. كان الوقت صباحا كئيبا بسبب البعد عن بغداد المحروسة


.. وبفعل ضغوط الحياة الماضية وأهمها مشاهد الأحبة الشهداء من اصدقائي الذين رحلوا وصارت تسميتهم بالشهداء سبّة .. ومن بينهم أخوتي . وصلت رسالة القاصد ولم أرد عليها فورا .. لا أدري .. كنت أشعر أنني بحاجة لمدة أهضم فيها الصدمة وأستوعبها ... كنت قد أهديت مخطوطة كتابي عن الجواهري العظيم (الجواهري: مركب النار .. النرجسية الضارية والقصيدة المفتاح) أهديتها لأبي هاشم (محمد حسين الأعرجي) عرفانا بوفائه الكبير للجواهري حيا وميتا . بعد ساعات استوعبت الصدمة وشعرت أنني أبالغ في ردة فعلي، فحال أبي هاشم كحال أخوتي الشهداء عباس وجميل تحملهم الحياة قسرا . وأتذكر مقولة من فيلم " خيط أحمر رفيع " يقول البطل فيها: " أشلائي مبعثرة .. والمشكلة بإهمال) . هكذا نحن دائما، وعبر تاريخنا: أشلاؤنا مبعثرة والمشكلة بإهمال وأحيانا باحتقار . رددت على القاصد برسالة قلت فيها: أبا علي، أنت وفي .. أرجوك حافظ على مخطوطات الأعرجي ومكتبته . وقد نشرت مقالات كثيرة أحث فيها الجهات الرسمية على شراء مكتبات العلماء العراقيين الراحلين، علي الوردي كان يقول لنا إن في مكتبته أكثر من (25) ألف مصدر ومرجع نادر .. جواد علي وعبد الرزاق الحسني والمخزومي والسامرائي وعبد الجبار المطلبي .. والقائمة طويلة .. والآن محمد حسين الأعرجي.. وغدا لست أنا لأنني تبرعت بمكتبتي لجامعة القادسية وأنا حي . بعد أيام اتصل بي حسين القاصد ليبلغني أنه حصل من خلال السيدة أم هاشم المكرمة زوجة العلامة الأعرجي الراحل على مخطوطات في غاية الأهمية .. منها يوميات ضخمة أثلج قلبي بقوله أن الأعرجي ذكرني ويحيى السماوي بخير كبير .. ولست بحاجة لشحنة نرجسية لكن ما أريد قوله هو أننا أمة لا تحترم التوثيق ولا اليوميات، وهذا رجل - ومن خلال معلومات القاصد - كان يوثق كل دقائق حياته اليومية حتى أن حسين أضحكني ببعض التعليقات الماكرة التي عرفت عن الأعرجي . شرح لي حسين القاصد الجهود التي قام بها للإتفاق مع دور نشر خارج العراق ؛ في سورية وألمانيا وغيرها، للحفاظ على تراث أستاذه وصديقه العلامة الراحل الأعرجي، وهي جهود هائلة وعجيبة وأمينة في زمن يفر فيه الأخ من أخيه، والأب من صاحبته وبنيه . جهود هذا الشريف الوفي الذي لا يعلم ما كان يقوله لي أستاذه الأعرجي في اتصالاته الهاتفية التي لا يعلم بها القاصد . كان الأعرجي يقول لي: دكتور .. نعمتان أنعم بهما الله علي وأنا في محنتي: مساندة ووفاء أم هاشم العظيمة التي أشعر - وهي لا تعرف - أنني سأفارقها قريبا، وصديق وفي قلما يجود به الزمان . وعندما سألته: من هوهذا الصديق الذي لا يجود به الزمان . ضحك فشعرت بغبائي وعدم وفائي حيث قال: كنت أعتقد أن حسين القاصد فعلا خلك وصاحبك . هذا شيء أعلنه لأول مرة رغم أنه يأكل من جرف نرجسيتي . أعود للقول أنني يهمني دائما أن أعرض السلوك الإيجابي العراقي الثقافي المضحي والغيور لكي نقتدي به . قد لا تعلمون أن مقالة لوجيه عباس نقلتني من مجنون وفي لهيب المعارك إلى بغداد .. نحن أخوة الدم العراقي المقدس وليس دم مافيا إيطاليا .. أذكروا محاسن أحيائكم أيها الأحبة العراقيون العظماء .. وانسوا هذه المقولة المفسدة (أذكروا محاسن أمواتكم) .. في حفل تأبين العزيز (مؤيد نعمة) وشعارنا الخالد (أن الطاح راح) استعار الحبيب كاظم غيلان عبارة كنت أقولها وهي لشاعر صيني (إن الموتى لا يشمون الورود) فقام شخص إلى المنصة وهتف أن كاظم غيلان وحسين سرمك مؤمنيين بالآيديولوجية البعثية التي ترفض التحضر والتقدم !!


الآن - وبمناسبة سلوك حسين القاصد الشريف المنزه - أستعيد تلك اللحظة .. إن الموتى لا يشمون الزهور .. وكان من الممكن - حسب قول أبي علي الشريف - تعطيل غزوة السرطان - وأنا أؤيده طبيا - لو تم التشخيص المبكر لمرض الأعرجي الذي شخص كالتهاب سببه الفطريات في حين أنه سرطان واضح فضيع علينا أسابيع من العلاج .. هل أعيد الدعوة التي اطلقها (جواد الحطاب) قبل عشر سنين عن مدينة المبدعين التي لا تتجاوز مساحتها شارع حيفا وفيها مستشفى ومدارس وسوق للمبدعين ؟؟

قد يبدو أن أغلب ما قلته إضافة أو استطالة واهية الصلة بالموضوع المركزي لكن صدقوني أن كل كلمة وحرف لها صلة بمحنة الثقافة العراقية المديدة والمتطاولة: مبدعونا يذبلون ويموتون .. ولا من مجيب ..

في أواخر الستينات زارت العراق فنانة ألمانية وقفت طويلا أمام نصب الحرية .. وقالت: أريد أن ألتقي بالفنان الذي صممه .. فأجابها المرافق: لقد مات . فصرخت: لماذا تركتموه يموت ؟؟ هل ينطبق هذا الموقف على الجواهري العظيم والسياب ونازك والبياتي وجواد علي وعبد الجبار عبد الله والشبيبي وعباس بغدادي وهاشم الخطاط .... والتكرلي .. ومصطفى جمال الدين .. وقريبا سعدي يوسف ومظفر النواب . أعود للقول: أيها الشريف الحبيب المهذب حسين القاصد لا أجد غير كلمة بليغة للراحل رشدي العامل قال فيها: أحييك وألعنك .. وبالعكس . قبلة على جبينك أبا علي الوفي الغالي .