.

في المكتبات جديد الشاعر حسين القاصد"القصيدة الإعلامية في الشعر العراقي الحديث" و النقد الثقافي ريادة وتنظير وتطبيق- العراق رائدا

.....

للحصول على اصدارات حسين القاصد ...جميع اصداراته في مكتبة الحنش  و  مكتبة  القاموسي في مكتبة المتنبي

الاثنين، 12 أبريل 2010

حسين القاصد في أطروحته : الناقد الديني قامعا :


حسين القاصد في أطروحته : الناقد الديني قامعا :
الأطروحة الأنموذج
-------------------------------------------------------
حسين سرمك حسن – دمشق
عندما أخبرني الصديق الشاعر "حسين القاصد" بأن أستاذه العلامة الجهبذ الدكتور "محمد حسين الأعرجي" قد اختار له الشاعر "إبن الشبل البغدادي" موضوعا لأطروحته لدرجة الماجستير قلت له : " أين وجد لك الأعرجي هذا الشاعر ؟" . فإبن الشبل البغدادي ، لا هو بالمتداول بين الشعراء القدامى ، ولا توجد مصادر واسعة عنه ، وحتى ديوانه غير محقق وغير منشور . وأعترف هنا بمسألة أخرى وهي أنني كنت أرى – في سرّي وأنا أستمع لحسين هاتفيا – أن من الواجب أن نخصص الدراسات الأكاديمية للشعراء المعاصرين وليس لشعراء فاتت عجلة القرون على منجزهم وسيرتهم وعصرهم . لكنني في هذا الرأي لم أصل إلى غلوّ بعض المتحمسين للمعاني الشكلية للحداثة وما بعد الحداثة والذين صاروا يدعون جهارا إلى قطيعة شاملة للدراسات الأكاديمية عن التراث الشعري العربي القديم . وجهة نظري هي أننا ينبغي أن نعيد دراسة تراثنا بعيون عصرنا . لكن أغلب الرسائل الجامعية كانت تقليدية في تناولها للشعر القديم وتقرأ المنجز الشعري بعينين غائمتين وبموقف تابع بحيث لم نجد قراءات تحليلية توصل إلى "اكتشافات" جديدة وفريدة قابلة للإستثمار في حياتنا الثقافية المعاصرة إلا في حالات قليلة .
دخل القاصد ساحة معركة علمية بحثية حقيقية ، وكنت أتابع جهده الهائل عن قرب . وقد بحثت له عن أي مصدر أو ديوان لإبن الشبل هذا حتى في الشارقة ولم أجد شيئا . وفوق ذلك كنت - كما قلت سابقا - قلقا من أن يقع حسين في مصائد البحث الأكاديمي الكلاسيكية، وأن يقدم لنا دراسة مختنقة بمراحل حياة الشاعر ومعاركه وخصومه وجداول الأوزان والقوافي . لكن حين أرسل لي نسخة من رسالته بعد مناقشتها ومنحها درجة جيد جدا عال ، وجدت نفسي أمام دراسة جديدة وجريئة و"حداثية" بكل معاني هذه الأوصاف . لنبدأ من العنوان : "الناقد الديني قامعا : قراءة في شعر إبن شبل البغدادي " . فقد اعتدنا على عنوانات تقليدية للأطاريح الجامعية : أبو تمام : حياته وشعره وعصره .. الصورة الشعرية لدى البحتري .. إلخ . لكننا نقف هنا أما عنوان حداثي أولا ويحيلنا إلى إشكالية مميتة تعاني منها الثقافة العربية الآن ثانيا ، وكأن حسين القاصد ومن ورائه أستاذه يريدان إرسال رسالة خطيرة من عصر إبن الشبل إلى عصرنا المتهالك هذا . فأمر عجيب هذا أن نجد الثقافة العربية ، وخصوصا في مجال الشعر ، كلما تقدمت في الزمن ، كلما عادت سلطة الناقد الديني القمعية أكثر ضراوة وبطشا . وهكذا صارت تأتينا الأخبار متلاحقة .. ففي هذه العاصمة تتدخل السلطة الدينية وتسحب ديوان أبي نؤاس الذي لم يمنعه من الشعر حتى البوليس العباسي !!... وفي تلك العاصمة يُقدم طلب قانوني للسلطة القضائية لحرق سيّدة الحكايات "ألف ليلة وليلة" .. وفي عاصمة ثالثة يُحال ديوان أحد الشعراء إلى جهة فتوى وليس إلى ناقد خبير .. وغيرها من الوقائع التي يذكّرنا بها القاصد من خلال حال شاعره إبن الشبل الذي اتُهم بـ "فساد العقيدة" الأمر الذي أدى إلى إخفاء وضياع القسط الأكبر من شعره . وما أشبه الليلة فالدرس الآخر الذي تقدمه دراسة القاصد هو المعضلة الخانقة المتمثلة بعلاقة الشأن الثقافي بالشأن السياسي . فالثقافة ، وبتعريفها ، هي الموضوعة الأم المهيمنة في حياة أي مجتمع ، هي الكل الذي تشكل السياسة جزءا منها . لكن في مجتمعاتنا العربية الراهنة – وبصورة تتطابق مع مجتمع إبن الشبل - يقف الموضوع على رأسه بصورة غريبة ، حيث تتبع الثقافة – الكل – السياسة – الجزء . وهو أمر أوصلنا إلى نتائج فاجعة ليس أقلها مسخ دور المثقف / الشاعر وجعله تابعا للسياسي . ويرتبط بذلك – وهذا درس آخر – محنة هائلة لازالت تتفاقم يوما بعد يوم في حياتنا الثقافية ، وهي محنة " شعراء المديح " ، هؤلاء الأبالسة المبدعون الذين يتبعهم الغاوون ، وفي غرف المسؤولين يهيمون ، يكيلون المديح ويفعلون . وفي إبن الشبل الذي لم يكن مدّاحا على عادة الكثرة الغالبة من شعراء العصر العباسي أسوة حسنة كما كشف ذلك القاصد .
ثم يأتي الاكتشاف الرائع الذي يشكل امتيازا للقاصد – لم يلتفت إليه حتى شيخنا الراحل الدكتور علي جواد الطاهر في مراجعته لشعر إبن الشبل – والذي عبر عنه القاصد بقوله : ( قد تكون دراستنا هذه قد حققت سبقاً في كون ابن الشبل أطلق الشرارة الأولى للشعر الحر (التفعيلة) وذلك في مناسبة واحدة قد نعدها تجريبا ولو وصلنا ما ضاع من شعره لكان هناك حديث آخر. ولاشك أن ذلك نابع من قدرة الشاعر على التجديد والإبداع ) . فبعد أن أشار بعض الباحثين إلى أن جذور قصيدة النثر – بأشد صورها سريالية – تعود إلى الحلاج ، يأتي القاصد ليمسك بمحاولة لإبن الشبل البغدادي يراها ( ممهدا للشعر الحر الذي جاء به السياب ورفاقه :
وستةٍِ فيك لم يجمعن في بشر...
كذب وكبر وبخل أنت جامعه
مع اللجاج وشر الحقد والحسد
وستةٍ فيّ لم يخلقن في ملك...
حلمي وعلمي وإفضالي وتجربتي
وحسن خلقي وبسطي بالنوال يدي
فإذا أردنا القول إن ما ورد أعلاه يعد بيتين فقط حيث انه أجّل القافية الى الشطر الثالث فهذا بحد ذاته غريب ، وقد يعد تجديدا . ولأن القصيدة العمودية من شطرين لا ثالث لهما - صدر وعجز- لذلك أرى أن ترحيله للقافية الى الشطر الثالث في وزن محكم التفعيلات هو بمثابة شرارة تمهيدية للإنفلات من سلطة القافية، وتحرير القصيدة من نظام الشطرين، كما أن القارىء الكريم يلحظ بوضوح ثورة ابن الشبل على القافية وعلى نظام الشطرين لاسيما انه لم يركب بحرا من تلك البحور التي تدعى بالصافية ، والتي يسهل على الشاعر كتابة الشعر الحر(التفعيلة) فيها ، وقد فات محقق شعر ابن الشبل الدكتور "الكيلاني" أن يقف عند هذه النقطة الهامة التي أوردها في بيت واحد. وحين عثرنا على بيت آخر من القصيدة نفسها وجدنا أن الوقوف هنا لابد منه لاسيما أن البيتين إذا وضعناهما وحدهما كالآتي يشكلان قصيدة قصيرة من شعر التفعيلة :
( وستة فيك
لم يجمعن في بشر...
كذب
وكبر
وبخل أنت جامعه
مع اللجاج وشر الحقد والحسد
وستة فيّ
لم يخلقن في ملكٍ...
حلمي
وعلمي
وإفضالي
وتجربتي
وحسن خلقي
وبسطي بالنوال يدي..)
أليست هذه قصيدة تنتمي للشعر الحر(التفعيلة) وهي تحمل من أدوات النضج الشيء الكثير ؟ ) .
ويهمني أن أشير إلى موضوعة "الإهداء"، حيث اعتدنا على إهداءات رتيبة " كليشيهات " يهدي الكاتب فيها أطروحته عادة لأستاذه أو لزوجته التي ساعدته .. إلخ .. في حين يأتي إهداء القاصد وكأنه قطعة شعرية تمزق قلبك وتزرع غصة في روحك . أهدى أطروحته إلى روح أخيه الشهيد "حسن" الذي اغتاله الأمريكان الغزاة :
( الإهداء :
إلى أخ تركناه عند أحلامنا ، فأكله العراق
إلى ثلاثة أرباع اسمي أخي (حسن)
ح
س
ن
ذلك الجرح لاريب فيه ......... )
ولاحظ التوظيف القرآني الماكر والموغل في الأذى في السطر الشعري الأخير .
بهذه الدروس الأساسية البليغة تكون دراسة "حسين القاصد" من النماذج البحثية الهامة التي يجب أن يُقتدى بها في كيفية مراجعة تراثنا الشعري الزاخر من جانب، وفي الصورة التي تجعل الأطاريح الجامعية – والجامعة كمؤسسة – تقف في قلب الحاجات الاجتماعية الراهنة وتستجيب لها من جانب آخر مكمل . فتحية لأخي أبي علي "حسين القاصد
" .