.

في المكتبات جديد الشاعر حسين القاصد"القصيدة الإعلامية في الشعر العراقي الحديث" و النقد الثقافي ريادة وتنظير وتطبيق- العراق رائدا

.....

للحصول على اصدارات حسين القاصد ...جميع اصداراته في مكتبة الحنش  و  مكتبة  القاموسي في مكتبة المتنبي

السبت، 26 يونيو 2010

النص يبتكر منهج القراءة


النص يبتكر منهج القراءة







مهيمنة ( ما وراء الشعر Meta - Poetry ) في شعر الشاعر العراقي المعاصر






حسين القاصد




القسم الاول


د. ناهضة ستار

26 / 6 / 2010




تقترح هذه المقاربة النصية فرضية أكثر من وصفية تجعل من النص مشروع قراءة ليس من لدن القارىء مفكك السنن فقط وإنما يبتكر النص دمقرطته الخاصة في توجيه القراءة نحو ابتكار ادوات قرائية يكون هو (اي النص) مبدع عناصرها ومكوناتها وممكناتها فيما يبقى افق التأويل مفتوحاً لاحتمالات لانهائية مادامت الرؤية المحتملة تحترم حرية الابداع وتؤمن ان الابداع يؤسس ويقود ويسن ويبتكر ويرى ما لايراه غيره ، من هنا انطلقت فرضية هذه القراءة في البحث عن الـ(مهيمنات) الدالة في الشعر المعاصر وقد بدأناها مع تجربة شعرية لافتة للاهتمام والنظر التحليلي و النقد القادر على تأشير النماذج المتفوقة و المتميزة في نحت كارزماها الشعرية في خريطة المشهد الابداعي المعاصر ومنها تأتي تجربة الشاعر العراقي الكبير حسين القاصد الذي تنماز تجربته الشعرية بالأصالة ورصانة الصوت الشعري و تفرد الاستعمال اللغوي وتقنية بناء الصورة على نحو يبتكر مراكز جديدة للنظر في الممكن اللساني العربي والعمود الشعري العربي في معطاه اللامتناهي حين يكون في متناول مقدرة ابداعية و مختبر احترافي يخلق الادهاش من المألوف ، ويخلق الفائق من المتداول ..ولكي نحقق دراسة متوازنة في وصفيتها كان لابد من اختيار متن شعري ثري ومتميز يستأهل هذا الجهد التحليلي الذي اراه به حاجة الى كثير من جهد التأسيس و المزاولة لندرة المكتوب فيه وعنه وبه ..اقصد بذلك مهيمنة( ما وراء الشعر) او المصطلح المتداول ب (ميتا بويتري ) لكي نحقق الفرضية الحاكمة والمتحدية في عنوان دراستنا حين يكون (النص) هو مبتكر منهج القراءة الناقدة التحليلية وليس فرض مقولات واملاءات أعلوية على الابداع تفرض عليه ان يتسق مع مستوى وعي نمط من الذائقة قد تنتمي الى عصور سالفة ولا تنتمي لهاجس عصرها و متحققات حداثاته المتنوعة والمتسارعة .. هذا الفرض والقسر هو لغة (الارهاب النقدي) ..نعم هو الارهاب النقدي الذي لا ينتمي للجمال الا من باب ما يفهمه هو على طريقة (قل و لا تقل) و الاصح ان تكون القاعدة: (لا تقل وقل ) بحسب الاستعمال القرآني ((ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما)) .. اما في لغة الخلق الفني و الابداع الجمالي فان له منطقه الخاص اساسه حرية الاختيار وبهذا استحق المبدعون وصناع الجمال امارة الكلام ، قال الخليل الفراهيدي (الشعراء امراء الكلام يصرفونه أنى شاءؤا ويجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم ...)



من هنا .تصدر قراءتي من الفرضية الوصفية الناقدة المحللة المؤمنة بأن الشاعر (يقول) والناقد قارئا( يتأول). باتخاذنا هذه الفرضية الوصفية فإنما نحقق فائدتين :


الاولى : تأشير المتميز و الناضج و المبدع من المنجز الادبي المعاصر وهي احدى مهام النقد في تعاصره مع منجزات مجايليه .


الثانية : اقتراح ادوات جديدة للبحث والتحليل مغايرة صادقة عميقة ودالة في المعاينة والفحص والتنظير ، هنا تتوحد الروح الحرة (الشاعر في اقتراح عوالم الابداع) و (الناقد في اقتراح ادوات تفكيك عوالم الابداع)


كنت قد اشتغلت في ابحاث سابقة على تكريس هذه الروح الديمقراطية المنفتحة في التعاطي مع النصية المعاصرة وبخاصة في دراسات عن (قصيدة الشعر) و (الادب النسوي) و (النقد القصصي و الروائي ) وغير ذلك من خلال اعتماد ادوات مقاربة تفكيك مغايرة تمنح السيادة الكاملة للنص في اقتراح افق القراءة فتنبني قراءة مغايرة تكون بمستوى جلال النص المقروء ، فمن هنا تتحقق (ابداعيّة القراءة النقدية) ، بحسب ما أرى ان المدونة الشعرية العراقية المعاصرة مدونة باهرة ثرية مختلفة متنوعة لذا فإنها ارض صالحة للبذار والحرث ليأتي الجنى ندياً مترعا بالرواء والاختلاف و المغايرة والجدة بشرط ان يكون الحرث بلا إملاءات سابقة ولا أحكام قبْلية ولا إعمامات ومسلمات قامعة .


من خلال مزاولة القراءة والاطلاع على المنجز الشعري المعاصر - العراقي تحديد ا اتضحت أمامي مهيمنة لافتة للنظر هي ظاهرة لكنها لم تحظ بالعناية والدرس والتحليل الذي تستحق ، مفادها تأمل الشعر لنفسه حيث يتحد (الدال والمدلول) في بنية الكلام الشعري فيبدأ الدال (اللغة ،الالفاظ) بالإحالة على نفسه بدلا من ان يكون إحالة إلى مدلول خارج عنه او دال عليه ، والذي يصطلح عليه حديثاً بـ(poetry -Meta ) ماوراء الشعر ، فتكون الفاظ


[ الشعر والقصيدة والنص والمعنى والفكرة والوزن و الحروف و الابجدية و السطور و الكلمات و الجملة و الفعل و الاسم و القافية والالفاظ والمفردات ومصطلحات النحو والبلاغة والعروض والصفحة والقرطاس واللغة والقلم و الترتيل والقراءة .... ] هي الدال والمدلول معاً فتتحد الإحالة إلى المدلول والدال معاً وهو لون من التماهي في عوالم الكتابة حد التصوف بل الذوبان في مكوناتها و مفرداتها واحوالها وعلومها و سائر متعلقات عملية الابداع و الكتابة والتأليف الابداعي ..


هذه الظاهرة الميتا شعرية تجاوزت كونها حالة عابرة قد توجد عند هذا الشاعر او ذاك الى كونها ظاهرة وجدت عند كبار الشعراء ممن تخلدت اسماؤهم بوصفهم الاشهر و الابرز و الاقدر من شعراء العربية قديمها وحديثها ومعاصرها ولم يعن بها النقد القديم كما ان ان الحديث نظر لها من زاوية النرجسية التي تصيب المبدعين فيتحدثون عن ابداعهم وحالاته وطقوسه اثناء الكتابة في احداث القصة او الرواية فيما يعرف ب (meta-narration) ماوراء الرواية او السرد او(meta- fiction) مما سنأتي الى تفصيله اصطلاحيا ..وسأورد هنا امثلة على هذه الظاهرة التي بها حاجة حقا الى احصاء و مزاولة وتحليل من اكثر من رؤية نقدية كي نقف على بواعث هذه الظاهرة و تجلياتها و احوالها في جميع عصور الادب العربي وعند اعظم شعرائه وكان من اهم الشعراء الذين هيمنت هذه الظاهرة على شعره هو المتنبي شاعر العصور الذي تم احصاء ديوانه فتبين استشراء هذه الظاهرة بنسبة كبيرة تصل الى مايقارب المئتي استعمال شعري على تعدد الاساليب و الاغراض و المعاني مما يستحق دراسة مستقلة .


النماذج


يقول عبيد بن الأبرص :


سل الشعراء هل سبحوا كسبْحي بحور الشعر أو غاصوا مغاصي


لساني بالقريض وبالقوافي وبالاشعار أمهرُ في الغواص


ويقول ابو تمام :


ان القوافي والمساعي لم تزل مثل الجُمان إذا أصاب فريدا


هي جوهرٌ نثرٌ فإن ألّفتهُ بالشعر صار قلائدا وعقودا


في كل معترك وكل مقامة يأخذن منه ذمّة وعهودا


يقول ابو الطيب المتنبي :


الناس مالم يروك أشباهُ والدهر لفظُ وأنت معناهُ


ويقول :


تملّك الحمد حتى ما لمفتخر في الحمد حاءٌ ولا ميمٌ ولا دالُ


- وقد يتقارب الوصفان جداً و موصوفاهما متباعدان


ولولا كونكم في الناس كانوا هُراءً كالكلام بلا معان


- دعاني اليك العلمُ والحلمُ والحجى وهذا الكلامُ النظم والنائلُ النثرُ


وما قلتُ من شعر تكاد بيوتُه إذا كتبت يبيّض من نورها الحبرُ


- و ما انا وحدي قلت ذا الشعر كله ولكن لشعري فيك من نفسه شعر


- و ما الدهر الا من رواة قصائدي اذا قلت شعرا اصبح الدهر منشدا


- لو مر يركض في سطور كتابة أحصى بحافر مهره ميماتها

يقول الشاعر اديب كمال الدين الذي اوقف اسلوبيته على دلالات الحرف و النقطة حتى كان الحروفي بحق ، فمن قصيدة (شطحات النقطة) :


أدافعُ عن حرف ليس لي


أدافعُ عن نون لها مالها


وعن جيم تقود طفولتي


نحو فرات من السكاكين


وعن شين مقدسة من تراب .


وقال ايضاً :


قال الشاعر : من سيكتب قصيدتي ؟


قال الحرفُ : أنا


ومن سيطلق اسرارها للناس ؟


قالت النقطة : انا


جاء القدرُ


ومسح الحرف والنقطة


من شاشة المعنى .


ولن تنتهي بنا النماذج الشعرية على نمط في الكتابة الشعرية العمود و التفعيلة و النثر وكذا الاستشراء الزماني و المكاني و تنوع الاساليب و الاغراض و الثقافات .. الامر الذي يجعلنا امام ظاهرة لافتة تستحق الوقفة النقدية الدقيقة .


ومن كبار شعراء العمود الحديث نقرأ للشاعر حسين القاصد - موضوع الدراسة - مهيمنة الـ(ميتا شعر) في دواوينه الثلاثة ( اهزوجة الليمون / حديقة الاجوبة / تفاحة في يدي الثالثة ) بشكل مهيمن على الرغم من عدم تنبّه النقاد والدارسين لهذه الظاهرة في شعره علما ان منجز الشاعر حظي باهتمام نقدي من لدن كبار النقاد امثال المرحوم الدكتور عناد غزوان و د. حسين سرمك واخرين ،وقد تم اجراء احصاء دقيق لحضور هذه الظاهرة المهيمنة في دواوينه الثلاثة حتى لقد فاق حضورها الى مئات المواضع و الاستعمالات ،ساذكر في هذا القسم من الدراسة بعض النماذج الدالة التي تتجاوز الآحاد من الابيات الى القصائد الكاملة بدءا من العنوان حتى المتن الامر الذي يحيل الى حقيقة شعرية غاية في الادهاش والروعة حين يتحول العالم و الكون و المرأة والموجودات و الوطن الى دوال لغوية وشعرية او ان اللغة والشعر هما الكون كله فيكون الشعر هو لغة الوجود و الوجود كلام و الحياة جملة ... ومن بعض نماذج الظاهرة نذكر :


- من قصيدة (قشر المعنى) :


بالقرب حقاً من ضرورتي


ارغم بالتزام الهروب


وكي احسن الوقت


احتاج تاريخاً اخضر من الصنعة


حتى التقيك قرب


اصغر (سوف)


عندما سقطت القصيدة


بحفرة الماضي


كانت السطور وعرة جداً


وانا وانت غريبان


لانجيد فروسية العروض


فسقطنا من ظهر القصيدة .


- وقال ايضاً :


غريبان لم تنبت على الريح رايةً


ولم نعشق التنكير فالتيه معرفة


مضت أشهرٌ لم يشرح الغيم نصّنا


واطروحة اللّاحل تنثال مؤسفة :


- ترجمتها لفمي


فكانت جملةً أشهى


أأشرحها


انا هذيانها


إذ لم يزل قرآنها


خصرٌ وقافية وصدر شامخٌ


يرنو له عجزٌ وهم اوزانها


ومن أي أبحرها سأبدأ


ان مطلعها يناديني


فما عنوانها !!


- من قصيدة بغداد


- ابناؤها يتكاثرون مع الرصاص فكيق تحلو


بغداد اول فاعل في جملة و الحب فعل


- كسروا ضلوع قصيدتي فتقطر المعنى و فرت من فمي الاوزانُ


- ولي لغتي الاسمى


أقلدني دوما


تأثرت بي فسال شذا فمي


وعدت الى رفع المفاعيل ربما


انا الفاعل المنصوب في نحونا الردي


- يا ساميا أبجد همومك


واطمئن فأنت همزُ


- باق أرتل عينا حين أفتحها


أتلو على اللام ياء" تشرح الخبرا


- الدهر تلميذ و انت معلم


والضوء الفاظ و وجهك معجمُ


حتى رسائلهم لرخص كلامهم


تعيا حياءا" عندما تستفهمُ


وقال في قصيدة (آي من الوجع العراق) :


هيا املاأوا اجسادكم روحا و قولوا (اننا) فجميعكم يحتاج للتوكيد ،للفعل المضارع ايها الماضون جدا مارسوا المعنى لكي تتخلصوا من لعنة الجزم التي حرمتكموا من أي رفع ..ايها اللاآمنوا .....
...
من هذه النماذج الشعرية التي انتقينا ايرادها هنا بوصفها الـ(ميتا شعر) اسلوبية نلحظ بوضوح استشراءها على مدى عصور الشعرية العربية من الجاهلي إلى المعاصر ، وهي مهيمنة في مجمل الاشكال الشعرية، لان مهيمنة ال(ميتا شعر) تتجسد في لغة النص حيث تتماهى فيها الدوال بالمدلولات ، تتحول اللغة في النص إلى توحّد حد العشق يعيش فيه المبدع حالة تماه مع ادوات الكتابة من الفاظ ومعان وتقنيات ومصطلحات تتعلق بفعل الكتابة الشعرية ولوازمها وادواتها وافكارها فيتحد الذات والموضوع ، والدال والمدلول ، واللفظ والمعنى حيث تكون كلمة (المعنى) هي دال ومدلول في ذاتها وبحسب التوظيف الفني والاشتغال الاسلوبي الذي يقترحه الشاعر لتفعيل هذه الماورائية في لغة الشعر وبإزاء ذلك تتعدد مرايا الفهم والتوصيل ولايقف الامر عند تأويل هذه المهيمنة / الظاهرة في حدود (النرجسية) التي يُعنى الشعراء ومثلهم الروائيون في الـ(ميتا سردFiction - Meta ) او narration -Meta (بإنشغال ذاتي من قبل المؤلف بهموم وآليات الكتابة السردية ، إذ نجد الروائي او القاص منهمكاً بشكل واع وقصدي لكتابة مخطوطة اوسيرة او نص سردي آخرً داخل النص الروائي او القصصي ، وبذا يتصدر الهم السردي الواجهة الامامية للنص الروائي مثلما تحتل اللغة الواجهة الامامية في النص الشعري ) وسنأتي إلى معاينة نظرية في ماهية المصطلح ودلالاته ، ولن نتعجل تأويل الاستعمالات الـميتا شعرية في النصية المعاصرة التي تكون (النرجسية) احدى بواعثها الكثيرة التي أظن ان الفحص النقدي المتأمل به حاجة إلى وعي ثقافي تداولي يفكك ابجدية هذا الاستعمال النصي فلقد تصالحت الدراسات الفنية والاسلوبية التي تُعنى بلغة الشعر ، على ان لغة الشعر هي النهر الذي يتكون من روافد تغذيه فتصير اللغة اشارات ودوال وعلامات على ما تدل عليه وتشير ... أما أن تكون لغة الشعر هي رافد ذاتها ودالة على ذاتها بذاتها تتكامل فيها الشكلية والمضمونية في جسد الحرف والكلمة والاستعمال .... فهذا هو الجديد .. جديد في تنبّهنا اليه وليس جديداً في واقع النصية الشعرية كما لاحظنا انها ظاهرة مهيمنة في عصور الشعر العربي جميعاً الامر الذي نحتاج فيه إلى عمل مسوحات كاملة لديوان الشعر العربي قديمه وحديثه ومعاصره وقد أجريتُ بعضاً منه ولكنه جهد لا يطيقه فرد سيبقى ملف العمل به مفتوحاً ولا سيما ان طرافة هذا الاشتغال مُغرية للباحث فيه والمتتبع لنماذجه نراها تتمثل في :


1- نماذجه الكثيرة التي رأيت انها تطغى في منجز الشعراء الكبار والاسماء الدالة في تاريخ الشعرية العربية .


2- تفاوت طرائق التعاطي بهذه المهيمنة من عصر لآخر ومن ثقافة إلى اخرى .


3- علاقة ظاهرة الميتا شعر بالبناء الفني للنص فقد تكون في عنوان القصيدة او الاهداء او جسد النص كله او ذكر اسماء الشعراء او سائر أرباب الكلام .


4- علاقة الميتا شعر بالاغراض الشعرية .


5- ال ميتا شعر دال ثقافي على عصر الشاعر .


6- يمكن عد هذه المهيمنة احدى مفاتيح القراءة للنصية المعاصرة ازاء الوعي اللغوي .