.

في المكتبات جديد الشاعر حسين القاصد"القصيدة الإعلامية في الشعر العراقي الحديث" و النقد الثقافي ريادة وتنظير وتطبيق- العراق رائدا

.....

للحصول على اصدارات حسين القاصد ...جميع اصداراته في مكتبة الحنش  و  مكتبة  القاموسي في مكتبة المتنبي

الثلاثاء، 31 أغسطس 2010

حسين القاصد يكشف عن المهمل في شعرية ابن الشبل البغدادي / علي حسن الفواز

حسين القاصد يكشف عن المهمل في شعرية ابن الشبل البغدادي



نقلا عن جريدة العالم


علي حسن الفواز / ناقد عراقي




الشاعر ناقدا، او الشاعر باحثا في الدرس التاريخي، ثنائية قد تقبل الكثير من الجدل واعادة التوصيف، ليس لانها محمولة على تنافر وظيفي، بقدر ماهي استغواء للطريقة التي يؤسس بها الشاعر حكما على نص لغيره، او استبصارا لما قد يحمله الدرس التاريخي من دلالات ومعان ومفاهيم..



في هذا السياق هل نعدّ كتاب الشاعر حسين القاصد(الناقد الديني قامعا/ قراءة في شعر ابن الشبل البغدادي) الصادر حديثا عن دار الينابيع/دمشق/2010مغامرة لتمثلها لعبة التنافذ الوظيفي في هذه الثنائية، والذهاب بعيدا باتجاه التمترس بادوات النقدي والمعرفي والتاريخي للكشف عن مناطق، قد يراها البعض بانها جزء من كشوفات الشعرية، باعتبار ان الشعرية كمفهوم معنية باستجلاء الوظائف الجمالية التي تؤديها الكتابة..


حسين القاصد يقترح قراءة سسيوشعرية لنصوص ابن الشبل البغدادي، باعتباره مثقفا/شاعرا وصوفيا وزاهدا وحكيما، وهذه التوصيفات تضع اشتغالات أي نص امام احتمالات متعددة، اذ ينحاز فيها الباحث/الشاعر الى تلمس المرجعيات الاجتماعية التي صنعت ظاهر ابن الشبلي، اكثر من انحيازه للمرجعيات الشعرية التي كانت تعصف بالعصر السياسي الذي عاش فيها ابن الشبلي.


هذه القراءة تجذبنا بدءا، عبر عنوان الكتاب المثير الى نوع من الاركولوجيا النصية، اذ يسبغ هذا العنوان توصيفا لاشتغالات الكتاب، تتجاوز ماهو شعري الى ماهو نقدي، وتوحي لنا بان ابن الشبل كان نموذجا للشاعر المتمرد على عصره، ونموذجا للمثقف الاجتماعي الباحث عن وظائف لنصوصه، تلك التي تمنحه قوة التجاوز على الانساق الثقافية التقليدية التي تكرس تداولها في العقل الثقافي العربي. فهل كان ابن الشبل قامعا في مجاهرته ام مقموعا من قبل ناقده الديني؟ وهل انه حقا ضحية القراءات التي وسمت شعريته بانها كتابة في الانتهاك الاجتماعي والديني؟


تستهل الكتاب مقدمة للناقد حسين سرمك حسن حول مسؤوليات الشاعر حينما يكون ناقدا، اذ لااحسب ان الشاعر القاصد قد وضع نفسه هذا الموقع، بل هو استمرأ دور الباحث التاريخي او المحقق الذي يكشف ويجلو مافي النصوص من تحققات وتشكلات تجسّ ماهو شعري وماهو عرفاني او فلسفي وماهو مقموع تحت نمطية القراءات المركزية--هي مهمة عسيرة—


انحنى الباحث في الفصل الاول من الكتاب على مباحث عدة تناولت حياة ابن الشبل البغدادي وشعره والتحولات الحادثة في شعريته، مثلما تناول(اشكالية الشعر والناقد الديني)والتي تعد من اخطر الاشكاليات التي اثارت الجدل والارتياب حول طبيعة الكتابة الشعرية، وماتفترضه من صياغات رمزية واستعارية ومجازية، اذ كثيرا ماتضع هذه الصياغات النص الشعري امام تأويلات ومواقف وقراءات قصدية، تستدعى الحكم الاجتماعي والديني، في معالجة وتحليل ماهو لغوي تصويري. كما انعطف الباحث على استقراء الروافد الثقافية للشاعر بدءا من الرافد الديني بمرجعياته القرآنية، وانتهاء بهواجسه النفسية القلقة، واستعدائه للكثير من المرجعيات الفكرية والادبية التي تمثلها تأثراته ثقافاته المعرفية والعلمية الواسعة، وانشداده الى عوالم الشعراء الاخرين(المتنبي- ابو العلاء المعري- ابو نواس).


حمل الفصل الثاني عنوان(موضوعاته الشعرية) والتي استغور فيها عوالم ابن الشبل و(جدلياته وحكمته واسئلته الفكرية) اذ كانت هذه التوصيفات هي المصادر الاساسية التي تأثر بها الشاعر، وجعل منها جوهر لاستنتاجاته، بكل ماتستدعيه من رؤى، وتهويمات، واحكام، فالشاعر يبدو متفكرا بموضوعات القضاء والقدر، بذات القدر الذي يبدو فيه مشغولا ب(بجبرية الانسان) ومايتأتى اليه من(من حكمته وحبه للفلسفة ومعرفته وادراكه الواسعين لتجارب الحياة)ص84


وهذا النظر بماهو(لاشعري) يجعل قصيدته نوعا من الخطاب الاقرب الى التأثر بكل صراعات عصره الفكرية والسياسية ومااستجلبته من حروب ومتاعب، ناهيك عن طبيعته الاحتجاجية النافرة في النظر الى العقائد والتآويل، والتي جعلته امام تهمة الفساد العقائدي المسؤلة عن صناعة الناقد الديني القامع لاجتهاداته ونظره ، اذ ان التصريح بها هو ما يجلب لنفسه الخروج عن السياق والمألوف. هذه الاشتغالات غلبت على شعره في اكثر من موقع، رغم ان شعره اساسا لايرتقي الى مصاف شعراء الحكمة الذين تأثر بها. واحسب ان ثقافة الشاعر وطبيعة تمرده ونفوره عن السياق هو ما جعله الاكثر اثارة للجدل الواسع، وللمواقف التي فيها الكثير من استغورارات المسكوت عنه، خاصة في الاشاره الى موضوعاته في(العقائد) و(التأويل) والحديث عن (خمرياته) اذ بدت هذه النزعة وكأتها تماه مع الشطحات الصوفية التي يسرح فيها الفكر واللغة على حساب الواقع، ويفلسف رؤيتها، ويشفّها في توصيفات الاعطاف، وبكل ماتجلبه اليه من افساد وسحر غامض واحساس بالارتواء والشغف والتلذذ باستدعاء المرأة بتوصيفها القرآني والواقعي. وفي تغريضاته الاخرى(الرثاء، الغزل، الهجاء، الفخر، الزهد، الشكوى) لايعدو ان يكون شاعرا تغلبه مسوح التقليد، والانكباب على ان تكون القصيدة رسالته السرية التي يحلّ فيها شفراته واوهامه، وان يجلو من جلالها مايعتمر في نفسه من قلق وارتياب وشك وثورة، هي بعض صفات الشاعر المتمرد على نسقه وعلى وظيفته، واحسب ان شخصية ابن الشبل البغدادي في هذه الاشتغالات يعد نموذجا للشاعر المتمرد الساخط على قوانين عصره.


ويمثل الفصل الثالث(الدراسة الفنية) العنوان الاكثر اجراء في اشتغالات الباحث، اذ يجترح لشاعره خصوصية فنية تتمظهر عبر جملة من البنى التي تبدأ من(الالفاظ والتراكيب) باعتبارها الهيكل الذي يمثل محتوى ما يضمنه الشاعر من افكار. اذ يكون الشاعر في سياق هذا التضمين اكثر انشدادا الى موضوعات التصوف، بكل ما يستدعيه من لغة رقراقة، والفاظ مكسوة بالمعاني التي(تصلح للمناجاة) فضلا عن الالفاظ المكسوة بالتفخيم والتي تصلح للحكمة والفخر، والتي يكون فيها نموذج المتنبي الشاعر حاضرا، ناهيك عن استخداماته لاشتغالات اخرى كثر فيها(الاستفهام و الامر والنهي والمقابلة والطباق) والتي وجد فيها الباحث نوعا من التميز الذي يضفي على تجربة ابن الشبل البغدادي خصوصية فنية في كتابته الشعرية. ورغم انشائية الكثير من الصياغات الشعرية عند الشاعر، الاّ ان مجهولية الشاعر وغموض مرجعياته جعلت بعض اشتغالاته الشعرية باعثة ايضا على الاثارة والمقاربة التي حملها الباحث بعض شروط منهجه التحليلي خاصة في هذا الفصل من خلال استقراء توظيفات الشاعر لهذه الاستخدامات في قصائد دون غيرها ولاغراض معينة دون غيرها.


ولعل المباحث الاخيرة من هذا الفصل والتي انحنت على موضوعات (الصورة الشعرية، الموسيقى) تعكس تميز الاجراءات التي عمد اليها الباحث في بحثه(العلمي) اذ اراد من خلالها الكشف عن الاهمية الفنية في التجربة الشعرية لشاعر مثل ابن الشبل البغدادي، فهو يضع هذه الموضوع في سياق مقترح قرائي، سلّط من خلاله الباحث اضاءاته باتجاه الكشف عن قدرة هذا الشاعر في التجديد، وان هذا التجديد(غير المبشر به) يمثل فرادة لنموذج الكتابة الخارجة عن النمط والمألوف التي يمكن انجازا متقدما في تاريخ الشاعر، خاصة في مجال البناء التفعيلي للقصيدة، اذ يقول الباحث انه اكتشف(مقطوعة شعرية لابن الشبلي تنتمي لشعر التفعيلة).


وستة فيك لم يجمعن في بشر


كذب وكبر وبخل انت جامعه


مع اللجاج وشر الحقد والحسد


وستة لم يخلقن في ملك


حلمي وعلمي وافضالي وتجربتي


وحسن خلقي وبسطي بالنوال يدي حيث يجد الباحث ان اعادة تشكيل الشاعر للقافية في اشطر القصيدة وترحيلها في وزن محكم هو(بمثابة شرارة تمهيدية للانفلات من سلطة القافية وتحرير القصيدة من نظام الشطرين)ص181


كتاب الشاعر حسين القاصد يثير اكثر من سؤال حول المهمل في شعرنا العربي، وفي ثقافتنا بشكل عام، والذي يستدعي اعادة قراءته بعين نقدية وبحثية باصرة تضعه في السياق التاريخي اولا، وتؤشر ملامحه الفنية المتميزة، مثلما تكشف عن الاثر الخارجي الذي اسهم في صناعة ثقافة الاهمال الطاعنة في ثقافتنا العربية..


* ناقد عراقي