.

في المكتبات جديد الشاعر حسين القاصد"القصيدة الإعلامية في الشعر العراقي الحديث" و النقد الثقافي ريادة وتنظير وتطبيق- العراق رائدا

.....

للحصول على اصدارات حسين القاصد ...جميع اصداراته في مكتبة الحنش  و  مكتبة  القاموسي في مكتبة المتنبي

الخميس، 8 يوليو 2010

مهيمنة ( ما وراء الشعر Meta - Poetry ) في شعر الشاعر العراقي المعاصر/ حسين القاصد

النص يبتكر منهج القراءة / القسم الثاني

مهيمنة ( ما وراء الشعر Meta - Poetry ) في شعر الشاعر العراقي المعاصر / حسين القاصد 

 د. ناهضة ستار
08/07/2010


يقول (ادوار سابير) اللغوي الالماني واضع فرضية النسبية اللغوية : ان الفنان (أياً كانت المادة التي يتوسل بها إلى انجاز عملية التعبير لايحمل من اعبائها مايعوقه في لحظة الابداع ، والسبب في ذلك ان الفنان يتماهى مع أداته ويأخذنا نحن معه فيغيب عنه الاحساس بالمصاعب الادائية التي يتعين عليه مغالبتها ، ولكن الفنان اذا وصل في هذه المغالبة الى مستوى يتجاوز طاقته الذاتية انكشفت حدود قدراته فندرك عندئذ ان مادة الفن قد حملته على الاذعان اليها من جديد وعلى هذا الاساس قد لايعي الاديب - الذي هو فنان اداته الالفاظ - ما تمارسه عليه اللغة من سلطة عن طريق قوالبها التركيبية الادائية ، وهذه السلطة تمارسها اللغة على الاديب حين تنجده بالقالب الجاهز المعبر ، وحين تحول بينه وبين الصياغة الملائمة وحين تستدرجه الى التركيب الذي تتوفر هي عليه ) (1)



يوفر هذا النص - على طوله - وقد حرصتُ على ايراده كاملاً .. فهماً عميقاً ومغايراً للعملية الذهنية المعقدة التي تُجرى اثناء فعل الكتابة الابداعية بين ممكنات اللغة / الاداة ذاتها وبين مقدار المساحة التي تشتغل فيها حرية المبدع في تطويع اللغة لما يريد من افكار عن طريق تصارع اكثر من سلطة تصل في اروع مراحلها الى مايدعوه (سابير)بـ (التماهي) حين يتماهى الفنان / المبدع مع أداته، هذا التماهي حالة إشكالية لاتخلو من عجب في إيهام التوحد بين الدال والمدلول من جهة وبين اللغة والمبدع من جهة أخرى تفرضها خصوصية الحالة الإبداعية ومقدار سمو الموهبة أو التمكن والالتصاق بنبض الفعل الإبداعي ، من هنا ، تضعف الرؤية التقليدية التي تفصل بين الدال والمدلول ، يقول العالم اللغوي الألماني ( هومبولت ) أنّ اللغة ألفاظ محدودة بالنسبة للمعاني التي لاحصر لها ) (2) .


هذا العالم وجد أنّ اللغة عضو يصوغ (الفكر) أمام مشكل عليه أن يجد له حلاً ، فالمعاني لاحصر لها ولا عدّ ولا حدود ولا نهاية ، فكيف تستطيع لغة ليس لها إلاّ وسائل محصورة العدد التعبير عنها ؟ ولقد حلّ هذا الإشكال بالشكل البسيط الآتي : إنّ النشاط الذي يُحدث الفكر هو نفسه الذي يُحدث اللغة ) (3) .


وقد سبق إلى هذا الفهم فخر الدين الرازي ( ت 606 هـ ) في المزهر إذ قال : ( لايجب أن يكون لكل معنى لفظ ، لأن المعاني التي يمكن أن تعقل لاتتناهى ، والألفاظ متناهية لأنها مركبة من الحروف ، والحروف متناهية ، والمركب من المتناهي متناهٍ ، والمتناهي لايضبط ما لايتناهى ، وإلاّ لزم تناهي المدلولات . (4)


هكذا دأب الفهم الفلسفي للدال والمدلول على نحو : القالب والمادة، والجوهر والعرض، و الشكل و المضمون وليس أفق العلاقة الأخرى التي لاترى هذه النفعية في علاقة الدال بالمدلول بل هنالك سلطة متبادلة توحد بين الذات والموضوع أو هي لحظة حضور صوفي تتصل فيها الذات المتكلمة / المبدعة مع الملفوظ بما هو هو وليس ما يدل عليه ، أو أنه يحمل دلالة كاملة قد توازي العالم كلّه والوجود من حوله ، فيستحيل العالم كلّه إلى نظام لغوي يعاد انتاجه في جسد النص ، فبدلاً من أن تكون اللغة هي القالب المحدد للاّمحدودية المعنى .. تكون هي المعنى ذاته حيث يكون المعنى هو الذات المبدعة .


هذا التماهي يُشعر ان (اللغة) في الكلام الشعري هي كون كامل و ليس اداة ايصال او جسر توصيل فقط ، واقدر المتكلمين على ادراك هذه الكينونة المكتفية بذاتها هم امراء الكلام /الشعراء اولئك الذين يقولهم الكلام روحا و نبضا ووجودا وانفعالا و عشقا اقرب للوجد الصوفي يمارس بمهارة فائقة في مزاولة ممكنات اللغة و الاساليب و الاستعمالات ، من هنا عد ( رومان جاكبسون ) مستوى (لغة اللغة ) meta-language هو المستوى الذي تتحدث فيه اللغة عن ذاتها ، و هي الوظيفة السادسة عنده (5). و لعل في صعوبة هذه الاضافة meta ما يجعل نقلها الى العربية به حاجة الى ايضاح مدلولها الاصطلاحي وصولا لدقة الفهم في الاستعمال بحسب نظام تركيب تلك اللغة علما ان هيمنة حضور هذه المهيمنة النصية في ديوان الشعر العالمي و العربي ما يجعل الامر الاصطلاحي ايسر و اكثر قبولا .


يتجسد حضور مهيمنة الميتا شعري في شعر الشاعر العراقي المعاصر حسين القاصد في مجمل هيكيلة النص الشعري و بناه و تقنيات ابتكار المعنى الشعري و يمكن ان نحلل النص( القاصدي) في ضوء هذه المهيمنة من اكثر من زاوية تناول او رؤية قرائية او منهج نقدي لان ظاهرة عد (اللغة) هي الغاية والوسيلة و الكائن الذي تتلخص فيه عناصر الوجود الانساني و الهم الكوني و الجدل الفلسفي بما في ذلك مشكلات الفكر و العاطفة و الموقف من الادب و الادباء و اللغة ذاتها .. من هنا فان ثورة الشاعر على العالم والوجود و التابوات و كذلك التأسيس لعالم مغاير باقتراحه هو .. انما تكون داخل اللغة و منها واليها وهذا ما قصدنا اليه بتشبيه الاندغام الميتا شعري بحالة التصوف من جهة ان التصوف يتحد روحا الالهية -كما يعتقد- فلا يرى في الجبة غير الله ...ينظر للوجود من خلال الذات والروح البوصلة في اكتشاف العالم الطبيعي و ماوراء الطبيعي ... هكذا تحيلنا مهيمنة الميتا شعري الى اقتراح الشاعر: ان الوجود كلمة ، و الحياة نص ، و المرأة قصيدة ، وتاء الهزيمة تبلع مرحلة : يقول القاصد في ديوان (حديقة الاجوبة) ..


من اين يا ميم الذكور أدسني سما فتشربني الوعود المخجله


من اين ادخل رب تاء هزيمة فتحت مخائبها لتبلع مرحله


وعلى صعيد اللغة الشعرية كذلك تتجسد مهيمنة الميتا شعري في معجمه الشعري على نحو لافت ، من ديوانه الاخير (ماتيسر من دموع الروح) يقول :


تعالي اسميك الكلام لنبتدي


تعالي


اغني وجهك النبوي ان الله ارسلني نبيا تائها


كوني بداية دعوتي


(اقرأ)


سأقرأ بسم رب جمالك الابهى ..


وعلى صعيد الاساليب الشعرية و البنى و التراكيب و الصور الفنية يمكن بجلاء استكناه مكامن الاشتغال على مهيمنة الميتا شعري في شعر القاصد بوصفها ظاهرة مهيمنة تستحق النظر و البحث في بعدها البنائي و الفني و النفسي و التأويلي . ومن الاشارات الدالة في هذه الموضوعة التي نرى فيها اضاءات لافتة يمكن الاشتغال عليها بعناية تحليلا و تأويلا على مستوى هيكلة النص :






(1) - ميتا شعرية العنونة :


ان استقراء المتن الشعري القاصدي من فهرسة عنوانات القصائد في دواوينه الاربعة نلحظ بجلاء هيمنة الميتا شعري في صياغة العنونة و هي من اهم خيارات الشاعر في تهيأة عنصر الادهاش لدى المتلقي حين ينتقي عنوانات باهرة لها صفة الادهاش و السؤال و الحض على الكشف و القراءة ، ففي ديوان ( حديقة الاجوبة - تشتغل المهيمنة ابتداء من عنوان الديوان بأن يكون الديوان هو مقترح اجوبة لاسئلة كائنة مقلقة ، نقرأ فيه عنوانات لافتة مثل :


(صوت شعري /واحدان / لاتأمن الاوراق / الى طفيلي و غيرها ....)


يبدأ الديوان بصوت شعري و موقف يعلن فيه :


لي صوت شعر تمادى اين أنشره فكرت بالشمس قيل الشمس تهدره


و يختتم الديوان ب الطفيلي الذي يعتاش على موائد المضيئين من الشعراء فيسرق بعضا من ضوئهم و يعيش به فيفصح بذلك عن ظاهرة في المشهد الادبي بل مرض السطو الادبي وهي من القصائد المثيرة و الباعثة على الجدل في الوسط الادبي ربما في كل عصر فكان ابو الطيب المتنبي يصرخ ثائرا على ..انا الصائح المحكي و الاخر الصدى..


يقول القاصد في (الى طفيلي ) :


جلست خلفك ياشعري أدفئني على رمادي فالهب حين احتطبك


وحدي و غيماتهم تستل من شفتي تنهال، تهرب نحوي منهم سحبك


هم يأكلون الذي يبقى بمائدتي ويفرحون بمعنى داسه عذبك


وفي ديوان (اهزوجة الليمون) يبدأ بنص (اول البوح ) ثم تناول ثيمات ميتا شعرية في هذا الديوان تتمثل ب جدله مع شعراء من التاريخ الشعري العربي :جدل بيني و بين المتنبي / و الى ولدي الجواهري ، فمن ايحاء العنوان ندرك ان الموضوع الشعري اتخذ من عالم الشعر و قيمة الشاعرين و ثقل النسق الذي يمثلانه في الذاكرة الادبية العربية ما يمكن ان يكون مقترحا لقول اخر في هذين الشاعرين الكبيرين هو قول القاصد ..اذن هل يمكن ان نقدم قراءة قاصدية للمعنى المتنبي او المعنى الجواهري ؟؟ هنا يكون الادهاش و السؤال و الوعي المختلف في اقتراح المدهش من المألوف .


ويطالعنا عنوان لافت في الديوان هو(قشر المعنى) :


(احتاج تاريخا اخضر من الصنعة /حتى التقيك قرب /اصغر سوف /اتذكر ؟؟الدم جرى من خد مستقبلك/عندما سقطت القصيدة بحفرة الماضي /كانت السطور وعرة جدا/ و انا وانت غريبان/ لا نجيد فروسية العروض / فسقطنا من ظهر القصيدة ).


وفي ديوان (تفاحة في يدي الثالثة) تهيمن التراتيل و الاسئلة و الهديل و الحوار الذي بلا صوت هيمنت الميتا شعرية على لغة هذه المجموعة حتى دعاني ذلك الى تأويل دالة(اليد الثالثة) على انها (اللسان) الناطق وهو القوة الثالثة بعد اليدين في قول الوجود والمعنى و الانسان ..ألم يقل الشاعر العربي القديم .. وجرح اللسان كجرح اليد ..


اما في ديوان (ماتيسر من دموع الروح) فيبدأ الاشتغال الميتا شعري عنوانا دالا و بخاصة في التناصات مع لغة القرآن على نحو باعث على الادهاش و الجمال و القوة فكانت ( آي من الوجع العراق / و ترتيل من سورة الطف / وصلة الموصول / وقصيدة العنوان / و نون الاسوة / انا ابجدي الوصال /انا صوته ..) هكذا تتصدر مهيمنة اللغة حين تقول ذاتها عن ذاتها اي العالم و الانسان و القيم وحكايا الوجع على الاخ الشهيد (حسن) حتى أحال القاصد نون (حسن) الى ملحمة وجود مضئ.. و كذا اغاريد العشق الجميل حتى كاد وجهه ينافسه على احزانه فيخرج من دموع لسانه ..نون الاسوة :


( لا عش للكلمات /ترتبك السماء


فينثني المعنى و بوحك يصمتُ


مازلت تعبث بالفراغ / وكعم كأسك نصفه لاتحتسيه الفكرة


و النون و الناس الالى لايعلمون بأن نونك رغم


نونك شمعة


حين انتظرت الفجر


كان هلاله نونا ،بدايتها لديك تتمة ) ....






احالات :


(1)- الادب و خطاب النقد / عبد السلام المسدي /120


(2)- تاريخ علم اللغة منذ نشأته حتى القرن العشرين/ تر.بدر الدين القاسم /196


(3)- ينظر توطئة لدراسة علم اللغة /التهامي الراجي الهاشمي /45


(4)- نفسه /47


(5)- ينظر مصطلحات النقد العربي السيمياوي /مولاي علي بو خاتم /212