.

في المكتبات جديد الشاعر حسين القاصد"القصيدة الإعلامية في الشعر العراقي الحديث" و النقد الثقافي ريادة وتنظير وتطبيق- العراق رائدا

.....

للحصول على اصدارات حسين القاصد ...جميع اصداراته في مكتبة الحنش  و  مكتبة  القاموسي في مكتبة المتنبي

السبت، 28 سبتمبر 2013

حسين القاصد ومحنة الثقافة العراقيّة / مازن المعمورب

حسين القاصد ومحنة الثقافة العراقيّة
مازن المعموري
24/8/2013

نقلا عن جريدة الصباح الجديد
 
غالباً ما تكون الريادات الثقافيّة قلقة وغير واضحة المعالم في الثقافة العربيّة حتّى يعلن عنها مفكر أو كاتب عربيّ, محاولاً إعطاء مبادراته الشخصيّة أولوية على الثقافات المجاورة, وسرعان ما نرى الضربات السريعة تقع على رأس المبدع العراقيّ أياً كان توجهه, لذا نجد إن أي مراجعة لمجريات الأمور تسهم في الكشف عن نزعة غريبة لتدمير أو تهميش الريادة العراقيّة تحت أي مبرر فلسفي أو اجتماعي, بل إنّنا سرعان ما نكتشف انّ هناك خطاباً سياسياً يقف وراء تلك الممارسات برغم ما يميزها من موضوعية مقنعة أحياناً تحت عنوان عريض يقول ـ ليس هناك قراءة بريئة ـ وهو ما يجعلني أقف مع حسين القاصد وهو يهاجم عبد الله الغذامي في مجمل ملاحظاته في كتابه الموسوم بـ( النقد الثقافيّ ـ ريادة وتنظير وتطبيق ـ العراق رائداً) وأقول ملاحظات لما يشوب فصول الكتاب من تسارع اجرائي.

يشير د. عبد الله الغذامي الى بداية مشروع النقد الثقافيّ في مقدمة كتابه ـ النقد الثقافيّ ـ إلى اللقاء الفاعل الذي ضمّ خيرة العقول العربيّة في الفكر والثقافة في 26/4/1999 وهم أساتذة أكاديميون (إدريس بلمليح الذي تولى ذلك اللقاء, أساتذة جامعة سيدي محمد بن عبد الله ـ جماعة التواصل وتحليل الخطاب ـ كلية الآداب بفاس, د. محمد العمري, وغيرهم من بلدان عربية شملت تونس والبحرين والخليج العربيّ وبعض الجامعات العربيّة) من دون ذكر أي اسم أو محفل عراقيّ, وربما يعرف الجميع مشكلة الأزمة الوجوديّة التي عاشها العراق في الزمن المشار إليه, علماً انّ أكثر النقاد الذين بروزا في العراق قد هاجروا من بلدهم منتشرين في أصقاع البلدان العربية وجامعاتها المختلفة حتى الآن.

أشير هنا إلى المهاد الأول للنهضة الثقافيّة في العراق, تلك التي نشرت خيراتها المعرفية على بلدان المنطقة ومنها السعودية, إذ بعثت لها أفضل شخصيات البلد لتأسيس المناهج التربوية والجامعية وكان على رأسهم الأستاذ الكبير وعميد الأدب العراقي علي جواد الطاهر وثلة من أساتذة الآداب والتربية العراقية, كما امتد هذا الدعم الى بلدان المغرب وجنوب الجزيرة العربية, برغم ذلك فإننا غالباً ما نواجه بمحاولات غريبة لتناسي الموقف وتهميش العراق كحاضنة ثقافية محترمة, بل الذهاب إلى أكثر من ذلك ليبدو النقد الثقافي اكتشافاً لثقافة تنويرية ظهرت فجأة في السعودية التي تعد من أكثر حواضن الاستبداد والإرهاب وحشية في كل العالم.

أرجو أن لا يفهم من كلامي انني أضع الأستاذ الجليل عبد الله الغذامي مكان ملك السعودية ولا أريد أن أنزع دوره في نشر ثقافة نقدية محترمة, فهو أهل لذلك بالتأكيد, لكنني أستطيع الرد بذات اللهجة القاسية التي قدمها الغذامي لتصغير دور الأستاذ الرائد ـ علي الوردي ـ ومحاولة تقديم صورة ثانوية لملاحظات الدكتور علي الوردي في الكشف عن الأنساق المضمرة للثقافة العربية في معطيات خطاب الشعر العربي القديم, ولا سيما انّ الغذامي ما زال حتّى الآن يسم مرحلة ما قبل الإسلام بالعصر الجاهلي, وهي تسمية ذات بعد أصولي متشدد تعد الاسلام مرحلة متطوّرة برغم ثبات الأنساق الثقافية والقيمية ذاتها.

يمثل النقد الذي يقدمه حسين الكاصد بعداً أتيقياً, في محاولة لتبرير تهميش الأصول الريادية للنقد الثقافي العراقي, لذا جاءت ملاحظات الكاصد بطريقة هجومية, وكأن الغذامي سرق جهد من سبقه, والحقيقة فان الاعتماد على توصلات علي الوردي ومحمد حسين الأعرجي لا تعني سحب البساط من ريادة الغذامي, خاصة وانه أشار بشكل واضح إلى السمات العامة والخاصة ذاتها في تأسيس رأي الغذامي, وهو ما جعل الكاصد يتوسم الكشف عن التناقض العلمي الذي وقع فيه الأخير في مواجهة التحليل الاجتماعي للأنساق المضمرة في الشعر العربي تحديداً, ومن ثم التوسع نحو مجالات أخر تستدعي مواجهة تلك التوصلات والتشكيك في ريادة الغذامي تجاه الدرس الثقافي النقدي وتمحوره حول القيم المذكورة سابقاً, لكن المشكلة الأساسية تكمن في المنهج الذي مارسه علي الوردي في البحوث الريادية وهو منهج اجتماعي تأويلي في دراسة النصوص, وربما أستطيع القول إن أدونيس اشترك في المسار نفسه في كتاب التحولات ودراساته المهمة للشعر العربي القديم .

الواقع إن تأسيس رؤية فكرية جديدة بحاجة دائماً إلى الرجوع إلى الأصول وتفكيك مكوناتها المعرفية مثلما حصل مع كبار الفلاسفة الغربيين مثل هايدجر ونيتشه وفوكو وغيرهم, كما فعل ذلك محمد عابد الجابري وجورج طرابيشي وآخرين, فلا غرابة بعد ذلك أن نرى الغذامي يقدم بعض الاشارات لتوكيد منحاه المعرفي وضروراته العلمية, لكن الأمر الغريب الذي وقع فيه هو وقوع الحافر على الحافر, لا على مستوى المعنى وانما على مستوى البحث الإجرائي الذي اتبعه الغذامي, وهو ما ساق أمثلته الكاصد في كتابه الموسوم النقد الثقافي, إذ أشار إلى الكثير من التوافقات العلمية والتأويلية بين علي الوردي والأعرجي من جهة والغذامي من جهة ثانية.

عقدة الريادة العراقية النقدية في النقد الثقافي انّها لم تتجاوز المناهج التقليدية أو انها انضوت تحتها مثل المنهج النفسي الاجتماعي والتاريخي والتحليلي والوصفي وغيرها من المناهج التقليدية في التعامل مع القضايا الحساسة التي واجهت المفكر العراقي بداية القرن الماضي برغم صغر عمرها, إذ فعلت التحولات السياسية القمعية على تدمير الحاضر والمستقبل وأوقفت العمل تماماً نحو أفق أوسع, وهو ما سمح للآخرين أن يمسكوا الدفة كبديل موضوعي على وفق قانون الانتخاب الطبيعي, اذ ظهرت جهود المفكرين السعوديين كواحدة من فلتات الزمان التي وضعت المشرق العربي في موقف حرج بعد الانحسار المعرفي للمثلث التنويري (مصر, ولبنان, والعراق) .

إن الغذامي جعل من الأصول النقدية السابقة فرصة لممارسة التناص, فكل نص هو تسرب وتحويل لنصوص أخر كما تقول جوليا كرستيفا, ومن الطبيعي أن نجد الخلفية المعرفية للغذامي قد وجدت المبرر المعرفي لايجاد المداخل المتشابكة في النصوص النقدية لتجريدها من البراءة وتوشيح منجزه بعلامات دالة على ذاته الخاصة وتفتيت ما تبقى منها عبر سحب فصوصها الى نصه هو, فعلي الوردي أصبح أيقونة ثقافية لا بد من فرد أجنحتها كما هو الحال مع نقطة الضوء الأكثر حضوراً في الريادة الشعرية النسوية العربية ألا وهي نازك الملائكة, لذلك لا يمكن الكشف عن الأنساق الأنثوية للشعر العربي بأي حال من الأحوال من دون المساس بقلب الأيقونة الذكورية في صورة النسوية وبالعكس في شخص الملائكة وتحريف نسويتها تجاه النسق الذكوري العربي شعرياً.

لقد كانت جهود الشاعر والباحث حسين الكاصد تشير الى نسقه الذكوري في ترتيب الموقف الأخلاقي تجاه الغذامي, في محاولة لتثوير الجهد الثقافي مرة أخرى نحو منطقة جغرافية جديدة غير معنية بالتوافق مع الماضي أياً كان مضمونه لانه مشارك في ترتيب الازاحات الايقونية وتدميرها, وهو ما فعله الغذامي بالتأكيد.