.

في المكتبات جديد الشاعر حسين القاصد"القصيدة الإعلامية في الشعر العراقي الحديث" و النقد الثقافي ريادة وتنظير وتطبيق- العراق رائدا

.....

للحصول على اصدارات حسين القاصد ...جميع اصداراته في مكتبة الحنش  و  مكتبة  القاموسي في مكتبة المتنبي

الخميس، 14 يناير 2010

حسين سرمك حسن – دمشق













حسين القاصد في مجموعته الجديدة :
"قاصد" النهرين ،والطهر "مقصده"


بعد مجموعتيه اللذين أحدثا صدى كبيرا في الوسط الثقافي العراقي وقت صدورهما وبعده وهما "حديقة الأجوبة” الذي صدر عن اتحاد الأدباء والكتاب العرب عام 2004 ، وكتب مقدمته شيخنا الدكتور "عناد غزوان” ، و "أهزوجة الليمون” ، الذي صدر في بغداد عام 2006 ، صدرت المجموعة الشعرية الثالثة للشاعر المبدع " حسين القاصد ” وعنوانها : "تفاحة في يدي الثالثة” وهي كما متوقع في العراق تفاحة الفاجعات والخسارات الجسيمة .. تفاحة هذا الحزن العراقي المتطاول والخانق الذي يجعلنا تؤكد وبثقة أن الله عندما خلق الإنسان في أرض الرافدين كان يبكي . يرشح هذا الحزن شديدا وغامرا من القطعة التي افتتح بها القاصد مجموعته وهي "قفْ" المربكة بين الشد الصادم لانتباهة المتلقي وهو – أي المتلقي – يقف عند عتبة المجموعة ، والتحدي الجريح لعجلة الزمان الهادرة التي تطحن وجودنا بلا رحمة : ( قف أيها الوقت /لا تعبر على وجعي /لديّ جرح لذيذٌ هل يجيء معي ؟ /لديّ من نخلتي /طفلٌ يهزّ بها جوعا /وقد طاحت الدنيا ولم تقعِ /قف أيها الوقت /أني صرت مقتنعا /بأنني سوف أبقى غير مقتنعِ – ص 7 ) . وفي هذه القطعة سنمسك بسمة أسلوبية حاكمة في النص الشعري للقاصد وتتمثل في هذه المسحة التفاؤلية الجريحة إذا ساغ التعبير . فوسط دوامات الحزن والخيبة والخسارات الباهضة لا يرفع حسين راية التسليم البيضاء المنكسرة التي تعلن التسليم السلبي المميت . هي في الحقيقة خلطة نفسية وشعرية عجيبة من أطروحة اليأس وطباق الأمل – حسب قواعد الجدل الهيغلي إذا جازت استعارته – لينتج " تركيب " هو ما يمكن وصفه بـ "الوجه الثالث للعملة" .. وجه يعبر عنه القاصد بقدرة فذّة في القصيدة الأولى من المجموعة : "أبدا معي" والتي تلت قطعة "قف" الافتتاحية :(أبدا معي العدّ من صفر إلى أدنى /تصاعديا لكي لا تفسد المعنى /واصعد إلى قمة اللاشيء عندئذ /سألتقيك وحيدا جرحه غنّى /واظب على الحزن لا حلٌّ يطمئننا /على الأنين إذا لم نتقن الحزنا – ص 8 ) . والشاعر – في الواقع – يصوغ المعادلة الوجودية لحياة الإنسان العراقي منذ فجر خليقته . إنسان يعيش حالة طواريء أزلية لا وقت حتى للغور في مسبباتها الفاعلة حتى صارت كأنها قدر ميتافيزيقي لا خلاص أمامه إلا في أن يعيش جحيمه ويتقلب على ألسنة لهبه ويقاومه إلى الحد الذي صارت الروح المازوخية التي طبعت هذه القصيدة لذيذة وباذخة رغم موجات الإنكسار المتناوبة التي تتضمنها :(ماذا عن الخيل هل أسرجت ذلتها /وكيف أقنعتها بالخوف كي تهنا /وكيف بالصبح هل مزّقت قطنته /إذن سيثأر ممن مزّق القطنا /وها وصلنا فهذا خنجر قلق /وذاك ظهر نبي يحسن الطعنا /كيف اخترقنا مسافات مهمّشة /بصمتنا كيف ننجو الآن من ... منّا –

ص 8و9 ) . ودوّامة ما يمكن أن نسمّيه "دائرة الضمير المغلقة" – وهذا يتطلب وقفة خاصة – التي فيها يبدأ سؤال المحنة الفردية من "أنا" الشاعر ليعود إليها ، وتنفتح ابواب الجحيم من مركز دائرة "الأنا" الجمعي لينطلق الشاعر بها على محيط ، قد تطول مسافته أو تقصر ، ليرتد بها إلى نقطة البداية فيغلق منافذ المحنة الخانقة كما فعل في البيت الختامي من هذه القصيدة ( ننجو الآن من ... منّا ) . يتكرر هذا الموقف الشائك والمعبر كثيرا في شعر القاصد ، ويصل أقصى حالات توظيفه الخلّاق ممتزجا بالسمة الأولى : (مركّب التفاؤلية الجريحة) في القصيدة الثانية (مازلت على قيد العراق) والتي صار عنوانها متداولا في الخطاب التواصلي بين عدد كبير من المثقفين العراقيين عبر رسائلهم الإلكترونية ، وهو دليل على أهمية الإبداع في تشكيل الخطاب اليومي للناس عموما . في هذه القصيدة يبدأ حسين قصيدته من ذاته ويختمها بها في تصاعد نرجسي عزوم حيث يستهلها بقوله : ( فمي غربة ، عمري متاع ،تجسّدي /ضياعيَ ، والإسم الثلاثي مولدي – ص 11 ) . ومن هنا يوغل في تصوير تمزقاته ذات الطرفين المتضادين دائما حتى لو لم يكن التناقض ثنائي الطرفين بصورة صارخة وهي سمة أسلوبية أخرى طاغية على المنجز الشعري للقاصد . فهو يخلق مزدوجات اغترابية كسبب موائم كامن لنتيجة استلابية صادمة ؛ فالفم غربة ، والتجسد ضياع ، ومياه مآل الذات نتاج تبلّد جمرتها هي بدمعها ذاتها .. وهكذا :(مآلي مياه من تبلّد جمرتي /بدمعي وها أمطرت ميلادي الندي /تأرجحتُ بين الليل والصبح بعد أن /نما موعدي المرتاب من ضلع موعدي /وُلِدتُ كثيرا لا الطفولة دغدغت /حياتي ولا عمري الذي فاض .. يبتدي – ص 11 ) . وهكذا عبر سلسلة من متضادات الخيبة ، المفرداتية والصورية ، هذه تتناسل شبكة هائلة من الصراعات الممزقة تمتد عبر ستة عشر بيتا من مجموع أبيات القصيدة البالغة أربعة وعشرين بيتا . فالشاعر الذي صار شعارا وصوتا لآمال أمته ، هو في الجانب المقابل – بل في الآن نفسه – حطام نهايات هذا المشهد ، وفي الوقت الذي كان فيه يمني نفسه بأحلام التسيّد والإنعتاق ، أصبح يخاف حتى من أوهام هذا التسيّد والإنعتاق اللذين هما مشروعين لا شائبة فيهما ، إلى أن تصل هذه النداءات الجريحة الذروة في البيتين الخامس عشر والسادس عشر : ( وعدت إلى رفع المفاعيل ربما /أنا الفاعل المنصوب في نحونا الردي /أنا جرح هذا النهر والجسر ( مرهمٌ ) /مريضٌ وفي ظهري شظايا لمنجدي – ص 13 ) . هكذا ترتسم صورة سوداء بالغة التعقيد يحاصر فيها الشاعر من كل جانب حتى أن ظهره يصبح هدفا لطعنات منقذيه المرائين !! حلقات مزدوجة من الأمل والخيبة ، والخلاص والعبودية ، الوحدة والتمزّق ، والإقبال والإدبار . وعند هذا الحد قد يتصور القارىء أننا قد وقعنا ، وإلى ختام القصيدة ، في مصيدة هذا الفخ الصراعي المفتوح . لكن الشاعر - وهذه كما قلت سمة أسلوبية في مجموعاته الشعرية الثلاث - ينتفض - حتى لو جاءت انتفاضته متأخرة - ليطلق شحناته النرجسية الجريحة بدءا من البيت السابع عشر متبركا برحم وعطايا المدينة الأم / بغداد العظيمة ، والجنوب المتجدد أبدا رغم الانهيارات : ( رسمت على بغداد ميسان حقبة /فسرنا جنوبا كلما انهار يبتدي – ص 13 ) . ويبدأ التوسع النرجسي يتنامى تدريجيا - في أغلبه كرد على الانجراحات
العميقة التي كلما ازدادت شدة كونت ضدّيا بصورة أشدّ - ليكتسب ملامح متّحدة مع طاقات نماذج اللاشعور الجمعي من ناحية وانسراب الذات - بفعل شحنات النزوع الإنبعاثي الغائرة وهي جنوبية أصلا - من ناحية أخرى : ( ولي الطينة الأولى ونخلي .. وآدمٌ /شقيقي ، وهذا الهور من نكهة الغدِ /إذا صحتُ يا ألله فالبحر صاحبي /وبرّي أمانٌ من عليٍّ وأحمدِ – ص 13 ) . وهذا الاتحاد والتماهي بنماذج اللاشعور الجمعي يفجّر الطاقات الفردية والانفعالات النرجسية ليمنحها طابعا أسطوريا حيث يصبح الشاعر ذا قدرة كلّية - omnipotence خارقة فهو رب نار الحرب والسلام ، وهو النخلة التي ستهزها مريم " ما " ، وهو مجبول من كوثر وفضّة صبح - ويا لها من خلطة رائعة - : (أنا ربّ نار الحرب والسلم طالما /أقول لصوتي منك بلواك فاعبدِ /أقول لنخلي لا تنم ربّ مريمٍ /يصيحُ بها صوت النجاة فتهتدي /إذن ها أنا من كوثرين وسمرةٍ /ومن فضةٍ صبح على محض أرمدِ – ص 14 ) . ونصل ذروة الذرى النرجسية التي تذكرك بالمتنبي أو الجواهري مثلا حين يدخلان ساحة القصيدة بنفسيهما بلا تردّد ، يفصح حسين عن حضوره الذاتي بجسارة فهو "القاصد" الذي "يقصد" النهرين ، لأن التطهّر "مقصده" ، وكل شيء يبدأ منه وينتهي به : ( ومازلت قيد النخل والماء واللظى /أنا قاصد النهرين والطهر مقصدي –ص 14 ) تبقى سمة مركزية حاسمة أخرى وتتمثل في الغرض الرثائي الذي يسيطر على المجموعات الثلاث ويشتد في الأخيرة بعد استشهاد شقيق الشاعر " حسن " على أيدي الأمريكن الخنازير الغزاة . وقد كنا نعتقد أن الرثاء قد وقف عند الخنساء وهي ترثي أخاها صخر ولكن القاصد يقدم لنا في ديوانه هذا خمس قصائد في رثاء أخيه الشهيد ” حسن ” الذي بموته تهدمت ثلاثة أرباع اسمه وعمره كما يقول .. هذه القصائد هي من عيون قصائد الرثاء في الشعر العربي المعاصر . وأي محاولة نقدية ستفسد غليان انفعالات الثكل ، ولذا سوف أترك حسين يناجي حسن في جانب من قصيدة ” ما تيسر من دموع الروح" :

إي يا حسنْ ..كبر العراق فيتم الأزهار إني صرت ابحث عن مروءة دمعة أو قشة من
بعض ذكرى اقتفيها , اجلد المرآة إني لا أرانيفانا أراك مطوقا بي صورةًهل تكذب المرآة كيف أرانيالآن تؤلمني كثيرا ما الذي تشكوه من وجع ٍ فرأسك صار يؤذيني .. شظايا
وجهك المنقوش بالأحزان .. ترميني اليّ أنا لست أقوى أن أكون (أنا وأنت) لأنني أنا لستُ أنت ..دبابة مرت .. ركضتُ الى المرايا سوف اجرح وجهها علـّي أراك .. أرجوك لا تحزن ..دموعك بللت وجه الزجاج فلم تعد تقوى المرايا كي تلمك من زواياهاحسـ …………………نْ دبابة ٌ أخرى أتت من يكسر المرآة في وجهي لتخرج من دمي أهزوجة ً مجروحة ً(ثارك ما ننساه اسمع حسّوني ) 1
ممن سأثأر من تراه الجانيوأنا وحزني الآن مختلفان
الإحتلالات القديمة والجديدة كلها تعنيك ..لكنّ الرصاص الجار يملأ غرفة الأطفال يوقظ طفلك (السجاد) مرعوبامن الجيران ِ ..وأنا وحزني الآن متفقانأن احتراقك في دمي أغناني ..عني …. عن المرآةعن وجع التصاوير التيتغفو على الجدران ِتشكو الإطار فكيف أنت محدد بمساحة التذكار , قد أشكوك
قربك فابتعد عني كثيرا واحتمل هذياني ..عيناك رأس السطر والوعي المحنط دفتر الذكرى سأقرأ بسم جرحك
هيبة المعنى أرتلُ ما تيسر من دموع الروح في سفِر المرايا علني ألقاكأو تلقاني/سأحب وجهي
1 أهزوجة هزج بها أبي في تشيع أخي حسن وهي باللهجة العراقية